هيثم المالح وطل الملوحي

في زمن فضاءات ميدان التحرير، وفي أحلام ميدان اللؤلؤة، وصرخات الليبيين في بنغازي، ونداءات اليمنيين في الشمال والجنوب، تجلس المدونة السورية طل الملوحي في سجن دوما بتهمة التجسس، إذ حكم عليها بالسجن خمس سنوات، بعد أن كانت قد انضمت إلى شبكات التجسس عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وكادت تتسبب في مقتل دبلوماسي سوري رفيع.. هذه هي الرواية الرسمية السورية.

وقبل الطل كان العجوز العنيد هيثم المالح يقف في 13 أيار (مايو) الماضي في محكمة الجنايات العسكرية التي طالبت بتجريمه بجناية نشر أنباء كاذبة من شأنها بث الوهن في نفسية الأمة بموجب المادة 286 من قانون العقوبات السوري.

المالح حاصل على إجازة في القانون، وعلى دبلوم القانون الدولي العام، وقد بدأ العمل محامياً العام 1957، وانتقل العام 1958 إلى سلك القضاء، إلى أن أصدرت السلطات في العام 1966 قانوناً خاصاً سرّحته بموجبه من عمله قاضياً، فعاد إلى سلك المحاماة ومايزال.

اعتقل في الرابع عشر من تشرين الأول (أكتوبر) العام 2009 على خلفية حوار هاتفي أجرته معه فضائية بردى السورية المعارضة، كان دعا فيه إلى محاربة الفساد.

والآن.. ماذا تفعل يا هيثم، عفواً يا عم هيثم؟ فرغم أن اسمك عصري جداً، لكنك في عمر جدّي، فاسمح لي أن أناديك: "يا عم". ماذا تفعل؟ هل صحوت باكراً بعد أن سمعت "المساعد أول" يصرخ: "شو نايمين ولا.. نحنا فاتحينلكن أوتيل هون؟"، لكنني أكاد أجزم بأنك لا تعرف طعم النوم منذ مدة.

هل أتقنت ترتيب البطانية؟ صحيح أنها من بقايا عهد الاستعمار، لكن لا عليك، فقد تكون دخلت "دراي كلين" قبل شهر.. سنة، لا يهم، المهم أن تشعر بدفئها مثلما تشعر بدفء عيون النساء في باب توما.

يا عم هيثم.. هل تناولت ما ألقي إليك باكراً على الصينية من تحت الباب؟ يقال إنه إفطار المساجين، حبتان من الزيتون وقطعة جبن غير معروفة بقرتها وربع رغيف يابس.. آه يا عم في أوطاننا الرغيف لا يبقى سليماً، فيقسم إلى أنصاف وأرباع مثل حقوقنا.. ثم يقولون لك: "كول لحتى تشبع"!

تنشّط يا عم ومارس الرياضة داخل الزنزانة، لا عليك، فعظمك جفّ من كثرة ما وضعت رأسك على كتف قاسيون لكي تستريح، ولكن يا عم هيثم عندما يتعب قاسيون على كتف مَن سيضع رأسه؟!

يا عم هيثم لم تغفر لك سنوات عمرك التي قاربت من الثمانين، لكن ألا تتفق معي أنك "زوّدتها شوي.."؟ فبعد كل هذه السنوات التي تجاوزت نصف قرن من العمل المدني ماتزال تنشط في مجال حقوق الإنسان، وتطالب بإصلاحات دستورية، وتساهم مع آخرين بتأسيس جمعيات لحقوق الإنسان.

جماعتك يا سيدي "كبّروها حبتين"، فبعد أن تم استدعاؤك، ولم يُخلَ سبيلك، بدؤوا كعادتهم في إصدار البيانات التي تطالب بالإفراج عنك، أتدري أنهم يطالبون أيضاً بمعرفة مكان احتجازك، ويقولون إنه ما يزال مجهولاً، هم لا يريدون شيئاً سوى إعلام عائلتك ومحاميك لاتخاذ الإجراءات المناسبة في مثل هذه الحالات، وتوصيل فرشاة الأسنان والمعجون والملابس الداخلية وحبات الأدوية، لأن السكر والضغط يخونان العزائم؟

هيثم المالح بدأ العمل والنشاط السياسي منذ العام 1951 إبان الحكم العسكري للرئيس أديب الشيشكلي، واعتقل في الفترة 1980-1986 في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد مع أعداد كبيرة من النقابيين والناشطين السياسيين والمعارضين، بسبب مطالبته بإصلاحات دستورية. ومنذ العام 1989 يعمل مع منظمة العفو الدولية، وقد ساهم مع آخرين بتأسيس الجمعية السورية لحقوق الإنسان.

اضافة اعلان

أيها المالح.. ربما تعاقب على أنك السبب في إضعاف نفسية الأمة، لكن لا يهمك.. فأنت لست مالحاً بل سكر زيادة، ونفسية الأمة الآن في أحلى تجلياتها، ولك ان تسأل طل الملوحي عن ذلك.

[email protected]