وأخيرا أُدخلوا في قائمة "العار"!

يؤكد علماء التربية والاجتماع على أن الأطفال مرآة المجتمع، وأن تربيتهم من الفنون الخطيرة التي تحتاج لإتقان وعناية فائقة من قبل المجتمع والأسرة والمدرسة، وأنه ينبغي تفعيل دور اللعب التربوي والإبداعي في تربية الطفل، ولهذا نجد أن المتخصصين في علم النفس المرضي يركزون على دراسة نمو الشخصية والعوامل المؤثرة فيها خلال مرحلة الطفولة لأنها تحدد نمط الشخصية المستقبلية للكائن البشري.اضافة اعلان
الدول المتحضرة هي التي تولي الطفولة الاهتمام الكبير والمستمر لأنهم في ميزان المنطق والواقع قادة الغد، والاهتمام بهم يعني العناية بالرجال الذين سيحافظون على الوطن في المستقبل.
العراقيون منذ العام 2003 مروا بمرحلة سحق الطفولة. ووجد الأطفال أنفسهم أمام حروب دموية، نشرت الرعب في نفوسهم وأفكارهم، ثم نتيجة التهجير والغربة عاش الكثير منهم ببلدان أجنبية، وتربوا على ثقافات غير مألوفة.
أطفال العراق الذين ولدوا بعد العام 1991م لم يعرفوا الطفولة، وفقد البلد الكثير منهم في مرحلة الحصار الدولي، والحروب المتوالية التي طحنت الصغار والكبار والشيوخ والنساء.
قبل أيام نشرت صحيفة ديلي تلغراف في عددها الصادر الجمعة الماضي مقالا عن "الصدمات النفسية التي يتعرض لها أطفال العراق بسبب الحرب وبالتحديد في الموصل"، وقد روت الصحيفة قصة الطفلة أمينة التي "سرقت الحرب ابتسامتها"، وتنقل الصحفية عن أم أمينة أن" محمود والد أمينة نادى- وهو يصارع الموت ابنته أمينة، بعدما سقطت على منزلهم قذيفة حرب- فاقتربت منه وهو يسبح في دمائه، ثم نقل إلى مصحة لم يكن فيها لا أدوية ولا تجهيزات طبية، وبقي أياماً بلا علاج، ثم فارق الحياة".
وتضيف الصحيفة أن "العائلة هربت من الموصل ووصلت إلى مخيم على بعد 20 كم، ولكن أمينة فقدت القدرة على الكلام تماماً، وأصبحت تعيش في عزلة تامة عن أخواتها، وعندما يحاول أفراد عائلتها الحديث إليها تصرخ وتطلب منهم أن يتركوها وحدها. وتعتقد الأم أن أمينة تنعزل عن العائلة لقضاء الوقت الذي كانت تقضيه مع والدها قبل أن يفارق الحياة مصابا بشظايا قذيفة "داعش" التي سقطت على البيت في الموصل".
وسبق للأمم المتحدة أن أعلنت يوم 22 حزيران، 2017، أن" أكثر من خمسة ملايين طفل في العراق بحاجة لمساعدات إنسانية عاجلة، وأن الأطفال محاصرون بدوامة لا تنتهي من العنف والفقر المتزايد، فقد تم قتلهم، وإصابتهم، واختطافهم وإرغامهم على استخدام السلاح والقتل في واحدة من أكثر الحروب ضراوةً في التاريخ الحديث".
وأشارت المنظمة إلى أنه "منذ عام 2014، قُتل في العراق:( 1,075) طفلاً،( 152) منهم خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2017، فضلاً عن إصابة وتشويه (1,130)، وانفصال أكثر من (4,650) طفلا عن ذويهم، وأن أكثر من ثلاثة ملايين طفل لا يرتادون المدارس بانتظام، بينما (1,2) مليون طفل خارج المدرسة".
وقبل يومين صدر التقرير السنوي للأمم المتحدة بشأن الانتهاكات المرتكبة ضد الأطفال في حالات الحروب، وتضمن التقرير قائمةً تسمى "قائمة العار" لأسماء الجهات والمجموعات التي ارتكبت انتهاكات ضد الأطفال سواء بالقتل، أو التعذيب، أو استخدامهم في الحروب، وقد أضيف فيها لأول مرة "الحشد الشعبي" في العراق.
في التقارير السابقة الصادرة عن الأمم المتحدة كان "داعش" هو الجهة الوحيدة التي تتهم بارتكاب انتهاكات ضد الأطفال في العراق، لكن تقرير هذا العام تضمن إدراج اسم قوات الحشد الشعبي للمرة الأولى".
وهذه التقارير- بالطبع- لا تتناول الخلافات العائلية نتيجة الظروف غير الطبيعية في البلد، وانتشار حالات الطلاق، والتقصير العائلي الاضطراري في تربية الأطفال، والإهمال الحكومي للمدارس، وأثر هذه العوامل المتداخلة على نفسية الأطفال وتربيتهم ومستقبلهم.
المؤامرات ضد العراق أثبتت نجاحها بضرب الأسس المهمة للبناء في الدولة العراقية، والمتمثلة بأطفال السنوات الثلاثين الأخيرة، ولا أعرف كارثة حلت بالعراق أكبر من هذه الواقعة التي صرنا نلمس آثارها في كافة المجالات الحيوية في الدولة والمجتمع!