واشنطن، موسكو، كييف.. خلق نظام عالمي جديد

محمود الخطاطبة واشنطن – بغداد– القدس، ثلاث مُفردات ساهمت في خلق ما يُسمى بنظام عالمي جديد، وذلك في بداية تسعينيات القرن الماضي، بُعيد الحرب الخليجية الثانية، التي اشتركت فيها نحو ثلاثين دولة ضد العراق، لإخراجه من دولة الكويت. نعم، نظام عالمي جديد، إذ أجبرت الولايات المُتحدة الأميركية، دولا عربية للذهاب إلى مؤتمر مدريد العام 1991، لعقد اتفاقيات أو مُعاهدات سلام مع دولة الكيان الصهيوني، وكانت الحجة وقتها إيجاد حل لقضية الشرق الأوسط المركزية (القضية الفلسطينية). مُنذ ذلك الوقت، أو بمعنى أصح بُعيد انهيار الاتحاد السوفياتي، أصبح العالم ذا قُطب واحد، يتمثل بأميركا، بعد أن كان ثُنائي القُطب (الاتحاد السوفياتي وأميركا)، وأصبحت واشنطن الحاكم الفعلي للنظام الدولي، و»شرطي العالم»، تصول وتجول كيفما تشاء، وفي أي وقت تُريد، بلا حسيب أو رقيب.. فتارة تغزو دولة بحجة أنها داعمة للإرهاب، وأخرى تُدمرها لمجرد اشتباه بأنها تمتلك أسلحة مُحرمة، وثالثة تُغير نظام الحُكم فيها، لمُجرد أن رئيسها المُنتخب لم يأت على هواها، ويعمل ضد سياساتها. بقي الوضع كذلك حتى فجر يوم الرابع والعشرين من شهر شباط الحالي، عندما أقدم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على غزو أوكرانيا، التي كانت تنوي الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «ناتو»، الأمر قد يؤثر على الأمن القومي الروسي. الآن، نستطيع القول، بأن مُفردات: واشنطن – موسكو– كييف، قد تخلق نظاما عالميا جديدا، يختلف عن ذلك الذي ظهر للعلن، في العشرة الأواخر من القرن العشرين.. نظام جديد، قد تستعيد فيه روسيا جُزءا من امبراطورية، كانت في وقت من الأوقات، مُترامية الأطراف، وكانت لها صولات وجولات، بغض النظر عن مدى مواءمتها مع القوانين والأعراف الدولية أو حتى النُظم الإنسانية والأخلاقية. نظام جديد، تسترد فيه موسكو بعض ماء الوجه، الذي فقدته على مدى ثلاثة عقود مضت.. نظام، يستطيع من خلاله الرئيس الروسي إيصال رسالة قوية إلى كل دول العالم، وعلى رأسها الولايات المُتحدة، بأنها تمتلك من القوة العسكرية والاقتصادية، والقرار السياسي، لفعل ما تشاء، في سبيل مصلحتها وحماية أمنها القومي. إذا ما استطاع الرئيس بوتين، تحقيق الأهداف التي من أجلها شن غزو ضد أوكرانيا، فإنه حتمًا سيوصل رسالة إلى واشنطن، الخصم اللدود لموسكو، فحواها بأن روسيا ليس كما حاولت الأولى إيهام العالم بأنها «لقمة سائغة»، وسهلة المنال.. رسالة إلى العالم أجمع، بأن القرار العالمي لم يعد كما كان بيد واشنطن وحدها فقط. نظام عالمي جديد، سيفتح «شهية» دول عُظمى، مثل الصين، بأن تضم تايوان، وإرجاعها إلى البر الصيني، غير مُكترثة أو مُعيرة أي اهتمام للدول العُظمى الأخرى، وعلى رأسها الدول النووية.. إن ذلك قد يفتح شهية الكثير من الدول لضم دول أخرى، أو إحداث قلقة أو أزمات فيها، حسب قوتها ومصالحها. نظام عالمي جديد، ستكون فيه كلمة للدول الأوروبية، ولن تبقى دول شبه تابعة لـ»شرطي العالم»، تأتمر بأمره وتُنفذ تعاليمه، فدولة مثل ألمانيا لن ترضى أن يبقى قرارها مرهونًا بقرار البيت الأبيض، ولن تقبل بأن تبقى أراضيها مُستباحة للولايات المُتحدة، تُقيم فيها قواعد عسكرية، وذلك على إثر هزيمتها في الحرب العالمية الثانية. وبعيدًا عن السياسة، فإنه من المتوقع أن يكون هُناك نظام عالمي آخر يُركز على الأمن الغذائي، خصوصًا إذا ما علمنا بأن روسيا وأوكرانيا يُصدران ثلث القمح الذي يحتاجه العالم أجمع، فضلًا عن تصديرهما لكميات هائلة، تبلغ مليارات الأطنان، من الذرة والشعير والزيوت النباتية، فهذه مواد أساسية يحتاجها أي فرد بأي دولة في العالم. وفي حال نجحت العقوبات الاقتصادية والمالية، التي تقودها واشنطن وعدة دول أوروبية، ضد موسكو، فإن ذلك يعني أيضًا نظاما عالميا جديدا، سمته الأساس تحييد روسيا عن المشهد العالمي، وعزلها، الأمر الذي قد يُرتب ركودا اقتصاديا سيضرب حتمًا معظم دول العالم، التي تعتمد في الكثير من موادها الغذائية والأساسية على موسكو، ناهيك عن أن روسيا تُصدر نحو 11 مليون برميل نفط يوميًا، بالإضافة إلى أن 35 % من الغاز الأوروبي مصدره روسيا!. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان