واشنطن والعالم: شخصية نيكي هالي المفصومة في الأمم المتحدة

ريتشارد غون* - (مجلة بوليتيكو) 9/1/2018

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

أبحرت سفيرة الرئيس ترامب لدى الأمم المتحدة في شاطئ السلاحف بدهاء مدهش. لكن تعاملها مع الموضوع الإيراني ينطوي على خطر عزل الولايات المتحدة -وإسقاط نجم هالي السياسي.اضافة اعلان
*   *   *
للأمم المتحدة تاريخ طويل في استضافة الاجتماعات التي لا فكرة فيها إلى حد ما. ولا تنطوي معظم هذه الاجتماعات على ضرر في نهاية المطاف. بل إن الدبلوماسيين يخرجون بين الحين والآخر بطرق لجعل الكوكب مكاناً أفضل.
في أوائل هذا الشهر، عقدت المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، مباحثات في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، حول إيران التي ربما تكون قد جعلت العالم -هامشياً- مكاناً أكثر خطورة، أو أقل صداقة لأميركا على الأقل. وبعد ظهر يوم الجمعة، الخامس من هذا الشهر، انطلق أعضاء المجلس على مضض مسرعين عبر شوارع نيويورك المتجمدة لحضور النقاش العام الذي طالبت به هالي لبحث الاحتجاجات الشعبية الأخيرة في إيران. وكانت روسيا قد حاولت منع عقد الاجتماع، لكنها تراجعت في اللحظة الأخيرة. وفي النهاية ربما تكون هالي قد تمنت لو أن الروس نجحوا في مسعاهم.
ناشدت السفيرة الأميركية العالم بشدة دعم الشعب الإيراني -حيث تذبذب مجموعة من أصدقاء الولايات المتحدة وراوغوا حول كيفية التعامل مع طهران. وتساءل السفير الفرنسي عما إذا كانت الاحتجاجات قد ارتقت إلى حد تشكيل تهديد للأمن الدولي، والذي يستوجب انتباه مجلس الأمن. وأبدى الممثل السويدي شكوكاً تتعلق بتوقيت الاجتماع. وذكّر السفير الكويتي نظراءه في المجلس بكيفية تحول الاحتجاجات المبكرة للربيع العربي لتسفر في النهاية عن نتائج عقيمة. وكان من الواضح أن المشاركين رأوا في الاجتماع مخططاً وضعته هالي للتشكيك في أسس الاتفاق النووي الإيراني بشكل غير مباشر -وعرض دبلوماسي في إثر الآخر كم يدعمون الاتفاق النووي بقوة.
وفي الأثناء، بدا الاجتماع وكأنه مناظرة حول سياسة إدارة ترامب الخارجية أكثر منه حول سلوك طهران. ولم تكن هناك أي محصلة رسمية، لكن مجلس الأمن أعرب عن عدم اهتمام كبير بجهود هالي لإثارة الغضب على إيران. وربما عاد ذلك ليشكل هاجساً لكل من السفيرة -والأمم المتحدة أيضاً.
قبل أسابيع قليلة من الذكرى السنوية الأولى لوصولها إلى خليج السلاحف، أصبحت هالي تواجه الآن بعض الأسئلة الأساسية عن نوع السفيرة التي تريد أن تكونها. هل ستكون قوة اعتدال على هوامش إدارة ترامب، حيث تعمل على تخفيف التوترات بين رئيس يصبح أكثر استفزازاً باطراد وبين بقية العالم؟ أم أنها ستمثل بإخلاص المواقف التي تصبح أكثر تشدداً لرئيسها حول إيران والأزمة الكورية، مما يشكل انهيارات دبلوماسية في نيويورك تتجاوز تلك التي سادتها بسبب غزو العراق في العام 2003؟
تمتعت حاكمة كارولينا الجنوبية السابقة بمشوار مميز ونجومي في نيويورك حتى الآن. ولأنها توجد على مسافة آمنة بعيداً عن فوضى البيت الأبيض، فقد استطاعت بسرعة تكوين صداقات مع سفراء مهمين آخرين؛ وتمكنت من الدفع في اتجاه تخفيضات ثقيلة في موازنة الأمم المتحدة في خط مواكب لرغبات الرئيس دونالد ترامب؛ وفرض عقوبات جديّة على كوريا الشمالية مع الصينيين.
وعلى الرغم من أن هالي لم تتمكن من منع رئيسها المتقلب من توجيه ضربات شديدة بانتظام إلى الأمم المتحدة، مثل الانسحاب من اتفاق المناخ في باريس، فإن السفراء الأجانب والمعنيين بالسياسة الخارجية الأميركية على حد سواء، يشيدون بدورها كنوع من صمام الأمان. وبينما بدا ترامب قريباً من الغليان، متعهداً بوقف الإنفاق على المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للأمم المتحدة، أو التهديد بشن الحرب على بيونغ يانغ، كانت هالي هناك لتنفيس الضغط.
وكان ذلك دوراً مشرفاً، ويمكن القول إنها لو لم تتمكن من ممارسة المزيد من الضغط على كوريا الشمالية من خلال مجلس الأمن الدولي، لكان شمال شرق آسيا سيكون أقرب إلى الحرب مما هو الآن.
ولكن، بينما نالت هالي، المصلحة الدبلوماسية، الإطراء، فقد كانت هناك هالي أخرى دائماً تنتظر في الأجنحة؛ سفيرة متشددة تواكب ترامب حول الحاجة إلى التحدث والعمل بقسوة فيما يخص العديد من القضايا الأمنية. وفوق كل شيء، تعد هالي من كبار الصقور في الإدارة الأميركية حول قضايا الشرق الأوسط.
كانت هالي ملتزمة وثابتة بشدة فيما يتعلق بالدفاع عن إسرائيل وانتقاد طهران منذ وصولها إلى نيويورك. وفي وقت مبكر من الصيف الماضي، كانت تعمل على سحب التصديق على الاتفاق النووي الإيراني، وهددت بالانسحاب من مجلس حقوق الإنسان الذي يتخذ من جنيف مركزاً له بسبب انتقاداته المنتظمة لإسرائيل.
زود قرار ترامب الشهر الماضي الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل موقف هالي بغوث صادم بشكل خاص. فبعد التصويت على مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي ينتقد ضمناً مقامرة ترامب، خرجت هالي على أطوارها في محاولة لإفشال مبادرة شبيهة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، محولة الموضوع فعلياً إلى استفتاء على ترامب. وعلى الرغم من التجييش القوي، خسرت الولايات المتحدة بواقع 128 صوتاً ضدها في مقابل تسعة أصوات معها -وهذا ليس بالضرورة خارج الخط الذي ميز حالات تصويت سابقة، لكنه مع ذلك يعد إحراجاً للرئيس.
شعر الدبلوماسيون الأجانب ببعض العصبية والتوتر من الكيفية التي غاصت بها هالي في معركة كان من المضمون خسارتها لها.. وبطبيعة الحال، لم تكن مناقشة موضوع القدس برمتها تزيد على مجرد العرض المسرحي السياسي –حيث يظل التصويت في الجمعية العامة رمزياً في جزئه الأكبر، ولطالما تصدت الولايات المتحدة وإسرائيل للأغلبية من الدول الأخرى بسبب فلسطين في الأمم المتحدة. ويتعامل الجميع مع أدوارهم هناك كفرص لتنفيس الضغط من دون تعريض أولوياتهم للخطر.
خلال بضعة أيام من هزيمتها، ضمنت هالي فرص حزمة جديدة من العقوبات التي فرضت على كوريا الشمالية في مجلس الأمن الدولي، وصادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على جولة جديدة من خفض الميزانية التي كانت هالي قد دفعت من أجلها، وهكذا اتضح أنه لم يكن للتصويت بخصوص إسرائيل أكثر من أثر عملي ضئيل على نفوذ هالي.
بينما كانت مناقشة موضوع إيران في بداية الشهر شأناً غير مهم كثيراً، فإنها أنتجت المزيد من التبعات. وإذا تمكنت هالي من تحييد قوى أخرى حول إيران، لكانت قد وجدت أن الإرادة الطيبة التي بنتها وهي تتبدد بسرعة. فقد يتعامل السفراء الأجانب مع مشاكل الولايات المتحدة الخاصة بإسرائيل كمخاطر مهنية قاسية، لكنهم يرون أن الصفقة النووية الإيرانية أساسية لاحتواء الأزمة الإقليمية المتصاعدة في الشرق الأوسط. ويوحد هذا الاعتقاد كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي باستثناء الولايات المتحدة؛ حيث تميل بريطانيا وفرنسا إلى الوقوف إلى جانب الصين وروسيا في الدفاع عن الاتفاق النووي.
مهما كان ما تفكر به القوى الأخرى حول الاحتجاجات الإيرانية، فإنها تقدر الآن أن الجهود الأميركية لإضعاف إيران تشكل تهديداً أمنياً كبيراً في الشرق الأوسط، والذي يجب احتواؤه. ويعرب العديد من محللي الأمن الأوروبي والمدافعين عن حقوق الإنسان بشكل خاص عن عدم الارتياح من افتقار حكوماتهم إلى التعاطف مع الاحتجاجات الإيرانية. ولكن، يبدو معظم الدبلوماسيين في عصر ترامب أكثر اهتماماً بكثير بالتمسك بما تبقى من النظام الدولي من حقبة أوباما من اهتمامهم بالحديث عن الديمقراطية.
إذا استمر ترامب في انتقاد صفقة إيران، وربما رفض رفع العقوبات عن إيران، فإن هالي ستجد نفسها فجأة في موقف الدفاع، مع القليل من الحلفاء المقربين في الأمم المتحدة. وسوف يسعد الروس الدين كسبوا المعركة الدبلوماسية الطويلة حول سورية في مجلس الأمن الدولي أن يتمكنوا من حشد حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في تكتل معادٍ لترامب حول إيران أيضاً. ولن يسمم هذا التحرك بالضرورة الملفات الدبلوماسية الرئيسية الأخرى، مثل المباحثات حول كوريا، وإنما سيكون هناك نزاع دبلوماسي مطول حول إيران، والذي سيتسبب في خفوت الرونق الأميركي في نيويورك.
قد يكون ترامب وصقور الشأن الإيراني العنيدين داخل وخارج الإدارة على وفاق مع ذلك التطور. وتماماً مثلما كان ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي السابق حريصاً على تجاوز مجلس الأمن في موضوع العراق، فإن أعداء الصفقة النووية الإيرانية ربما يكونون مسرورين برؤية هالي وهي تخوض معارك قليلة أكثر رمزية حول الموضوع في نيويورك، ثم تقوم بإعلان أن طريق الأمم المتحدة للتعامل مع طهران مسدود. ومن شأن ذلك منح الرئيس والكونغرس المزيد من المساحة للهجوم على إيران وفقاً لشروطهم الخاصة.
يقول دبلوماسيون متمركزون في نيويورك، إن هالي، التي يخمنون أنها تضع عينها على خوض الانتخابات الرئاسية عند نقطة ما أسفل الطريق، سوف تتخذ هذا النهج لتثبيت مكانتها كصقر من صقور السياسة الخارجية الجمهورية من الدرجة الأولى. وإذا كانت هذا واقع الحال، فيجب على هالي أن تسير بحذر إضافي. ومن المؤكد أن هناك مزايا سياسية قصيرة الأمد يمكن تحصيلها في الأمم المتحدة ومن الدفاع عن إسرائيل. ولكن، وكما اكتشفت إدارة جورج دبليو بوش في السابق، فإن تعزيز عدم الاستقرار في الشرق الأوسط يستطيع أن يلحق ضرراً سياسياً كبيراً بالساسة الأميركيين.
ثمة طريق سياسي آخر متوفر لهالي: القبول بحقيقة أنها لن تتمكن على الأرجح من إخضاع الأمم المتحدة لإرادتها في ما يتعلق بموضوع إيران، والتركيز بدلاً من ذلك على قضايا مثل كوريا الشمالية قدر الإمكان؛ حيث ما تزال تحظى بقدر وفير من الاهتمام. وقد يكون بيع ذلك على البيت الأبيض مهمة صعبة. لكن هالي إذا كانت تحرص حقاً على الوصول إلى البيت الأبيض، أو إلى مناصب أخرى كوزيرة الخارجية، فيجب عليها أن تركز على ما يفيد في صقل سمعتها. أما إثارة المشاكل مع إيران، فيمكن أن تكون لها نتائج عكسية. وسوف تكون المساعدة على وضع طريقة لتجنب مواجهة نووية في شبه الجزيرة الكورية هي الشيء الذي يصنع منه القادة.

*زميل المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، يقيم في نيويورك ويمارس التدريس في كلية الشؤون الدولية والعامة في جامعة كولومبيا.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Nikki Haley Split Personality at the U.N