والكلمة تشفي

لقد شدني صوته قبل أن تأسرني شخصيته، فقد كان لكلماته الصادقة وصوته العذب وقع محبب على قلوب مستمعيه عبر أثير الاذاعة وهو يقدم أفضل ما سمعت من برامج للتوعية بخطر المخدرات، ولم أكن أعلم أنني سأتعرف يوما ما على جانب آخر من شخصيته.اضافة اعلان
شاءت إرادة الله أن يصاب العقيد خضر آل خطاب بالسرطان ويتعافى منه، وهنا عرفته عن قرب وفي دورٍ تأثيره لا يقل عن برامجه التوعوية، وهو دعم المرضى ورفع معنوياتهم.
قمت بمصاحبته في زيارة العديد من المرضى على أسرّة الشفاء، وشهدت وقع كلماته النابعة من القلب في نفوس مستمعيه حيث لم يتوان عن إخبارهم بتفاصيل رحلته مع المرض وتغلبه عليه وأنه كان يشغل أحد هذه الأسرّة قبل فترة وها هو يعود الى حياته اكثر حيوية وشغفا وتفاؤلا، ما كان يشعل جذوة الامل في نفوسهم. 
بإمكان الإنسان أن يستسلم للمرض وينكفئ على نفسه، لكنّ آخرين كخضر وجدوا في المرض رسالة سامية ووضعا جديدا استثنائيا يؤهلهم لأداء مهمة لم يكونوا قادرين على أدائها من دونه، فالمريض عادة ما يتأثر سلبا أو إيجابا بتجارب من سبقوه في رحلة المرض وأثر الكلمة الصادرة عن مريض تفوق آلاف الكلمات الأخرى، فللكلمة سحرها خصوصا إذا كانت صادقة ونابعة من القلب وعن تجربة.
بينت العديد من الدراسات أن المرضى الذين يتلقون دعما نفسيا ومعنويا خلال رحلة مرضهم يمتلكون فرصة أكبر للشفاء ويعيشون مدة أطول ويعانون أقل، وهنا يبرز دور مجموعات الدعم ممن مروا بتجربة المرض، حيث يميل المرضى عادة الى التكتم على حقيقة مشاعرهم وآلامهم عن المحيطين بهم بغية التخفيف عنهم، لذلك تجدهم في امس الحاجة لمن يصغي إلى بوحهم ويحاول ان يهدئ بعض مخاوفهم ويشبع تساؤلاتهم.
المؤسسات الطبية الرائدة أولت هذا الموضوع اهتماما كبيرا واعتبرته جزءا مهما من العلاج، وقامت بتدريب الافراد الراغبين والمؤهلين على القيام بهذا الدور المهم ودمجتهم في العملية العلاجية، فالكلمة تشفي تماما كما يفعل الدواء، لكن دون آثار جانبية شريطة ان تكون صادقة ونابعة من القلب.
أذكر مرة أنني كنت برفقة أحد الجراحين المعروفين لاجراء تداخل لمريض، وكان يصيح من الألم، ولما حاول الجراح تهدئته كان جوابه "أنت لا تحسّ بما أحس به"، لكن المريض ما لبث أن هدأ عندما أخبره الجراح أنه نفسه قد خضع لعملية كبرى قبل أسابيع.
هناك أناس يصطفيهم الله حتى في مرضهم للتخفيف من آلام الناس ورسم البسمة على محياهم، فما أحوجنا اليهم.