وبدأ سباق التسلح في العالم

خالد دلال إحدى النتائج المتوقعة، بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، هي دخول العديد من دول العالم في سباق تسلح تعزيزا لترساناتها العسكرية لسببين: إما لأغراض حماية هذه الدول لنفسها من عدوان قد تشنه قوى كبرى ضدها بغض النظر عن المبررات، كما حدث مع أوكرانيا والتي لم يهب العالم لنجدتها إلا متأخرا، أو كون هذه الدول نفسها جزءا من منظومة جيوسياسية تدافع عن وجودها ومصالحها أو تطمح الى التوسع في العالم على حساب دول وشعوب أخرى، سواء كان هذا التوسع بصبغة سياسية أو اقتصادية. لكن المحصلة، في نهاية المطاف، أننا بتنا نشهد رغبة لتعزيز الدول لقدراتها العسكرية حماية لمصالحها على اختلافها. ولعل الشرارة الأوضح لذلك قد انطلقت قبل أسابيع من العاصمة الألمانية برلين، مع إعلان المستشار الألماني، أولاف شولتز، أن بلاده ستخصص 100 مليار يورو لتعزيز قدراتها المسلحة. والأمر لن يقف عند هذا الحد، بل ستعمل ألمانيا، بحسب مستشارها، على تخصيص 2 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي سنويا لتنفقه على الجانب العسكري. وهذا يعد انقلابا على العقيدة العسكرية الألمانية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية في أعقاب خسارة الألمان للحرب، وأهم سماتها وضع قيود كثيرة على تطور القدرات العسكرية للجيش الألماني، حيث بقيت موازنته هزيلة مقارنة بدخل ألمانيا القومي، والتي يحتل اقتصادها المرتبة الرابعة على مستوى العالم. والأمر لا يقف عند ألمانيا، فها هو رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، يعلن مؤخرا أن بلاده ستزيد تعداد جيشها بنحو 30 %، وبتكلفة تقدر بنحو 27 مليار دولار. وهي الخطوة التي وصفها المسؤولون الأستراليون أنها تأتي في مواجهة "التهديدات العسكرية التوسعية". وهم يشيرون بذلك إلى تخوفهم من الصين، حيث قال وزير الدفاع الأسترالي، بيتر داتون، مؤخرا، وبحسب يورونيوز، "إذا كان الناس يعتقدون أن الطموحات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ تقتصر على تايوان، وأنه لن تكون هناك تداعيات إذا لم يكن لدينا تأثير رادع... فهم لا يفهمون دروس التاريخ". فعلا إنها هواجس التاريخ ما يسيطر على فكر القادة هذه الأيام، خصوصا بعد أن كشرت موسكو عن أنيابها. ولعله التاريخ أيضا ما قد يكون السبب في دخول دول الشرق الأوسط في سباق التسلح العالمي. لنأخذ مثلا الاتفاق النووي للغرب مع إيران، والذي طال أمده. فإن لم يلب هذا الاتفاق تطلعات دول الخليج العربي ويراعي مخاوفها، وهذا حقها، فهذه الدول ستسعى، بطبيعة الحال، لتعزيز قدراتها العسكرية لردع أي خطر إيراني، وهو الأمر الذي سيلاقي من الدعم الغربي الكثير لما ستجنيه دوله من مليارات الدولارات. لكن الأخطر، في كل ما تقدم، أن سباق التسلح هذا، والذي عرضنا نماذج له، يحدث والعالم يدخل عصر الذكاء الاصطناعي وتأثيره المخيف من باب صنع أسلحة ذكية فتاكة. فنحن لا نتحدث، في هذا المقام، عن أسلحة تقليدية كما يحدث اليوم في الحرب الروسية-الأوكرانية، ولا حتى نووية يمكن احتواؤها، بل أسلحة قادرة على قتل البشر لوحدها، وبدقة تكنولوجية وحسابية متناهية، وبتكلفة أقل مقارنة بما لدى البشر من أسلحة تقليدية مكلفة في الوقت الحالي. التفاصيل كثيرة، والمستقبل قد يكون مرعبا، لكن على العقلاء من قادة العالم أن يعلموا أن بقاء البشرية مرهون بنجاح الحوار بينهم، وليس بالحروب. فلدى الإنسانية الكثير من المشاكل لتعالجها إن أرادت العيش بسلام. فهناك حربنا مع الفيروسات، ولنا في كورونا عبرة، ولدينا حربنا مع التغير المناخي الخطير، وهناك الكثير غيرها، وآخر ما نحتاجه هو حروب مباشرة ضد بعضنا بعضا. ولنتعلم من قول الأديب والفيلسوف الروسي الشهير، ليو تولستوي: "فالغايات التي تُشن الحروب من أجلها لا تستحق ما يُبذل في سبيلها من تضحيات". وهذا ما يجب أن تتوجه بوصلة الإنسانية نحوه في معركة البقاء على الكوكب الأزرق. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان