وبعدين؟!

بينما كانت إسرائيل تفوز بالمرتبة الأولى في الأغنية في مسابقة الأغنية الأوروبية، كان إرهابي داعشي يطعن أناساً أبرياء في أحد شوارع باريس، وآخرون من أشكاله في صباح اليوم التالي يفجرون أنفسهم في ثلاث كنائس في مدينة سورابايا في إندونيسيا، فيقتلون ستة أشخاص ويجرحون خمسة وثلاثين وكأنهم ينفذون ذلك تحريما للفنون في الإسلام. وفي الوقت نفسه كانت داعش والقاعدة ومخرجاتهما تواصل القتل والتفجير في سورية والعراق وليبيا واليمن وجنوب الصحراء وتدمر آثار الأقدمين وفنون المعاصرين، وقبل أيام في مدينة لياج في بلجيكا.اضافة اعلان
لقد شاهد أكثر من مائتي مليون إنسان في العالم فوز إسرائيل بالأغنية، ووقفوا وطربوا ورقصوا وصفقوا لها ومعها. بينما شتم أكثر من هذا العدد المسلمين المتهمين بأعمال الإجرام التي وقعت في باريس وسورابايا.
رغم الجرائم النازية والأبارثيدية الإسرائيلية اليومية ضد الشعب الفلسطيني وآخرها مجزرتها في قطاع غزة، إلا أن الرواية الإسرائيلية تثبت وتتسع على حساب الزاوية الفلسطينية بإرهاب القاعدة وداعش ومخرجاتهما، وبإنجازات إسرائيل الفنية والعلمية والتكنولوجية التي تحط من قدر الإرهابيين وروايتهم وتغطي على جرائم إسرائيل.
لولا الرد عن الهدف (الجول) الذي قامت بها مسيرات العودة في غزة لظلت القضية نائمة أو غائبة.
ترى لو لم تكن مسلماً: عربياً أو غير عربي، أين تقف وأنت تشاهد مهرجان الأغنية أو دماء الضحايا/ الأبرياء هنا وهناك ومن تحب أو تؤيد ومن تكره وتعارض وتصوت ضد وتقاتل؟ لا يعرف الناس "حقيقتك" أي الحقيقة التي تتمسك بها وترفعها من أقوالك وادعاءاتك. إنهم يعرفونها من وسيلتك في إيصالها إليهم، فالوسيلة هي الرسالة، ورسالتك هنا هي القتل والموت للأبرياء الذين لا يوجد بينهم وبين القاتل أي معرفة أو علاقة، لكنه يقتلهم لأنهم الآخر فقط، وإن كان يسبقهم إلى قتل نفسه بنفسه.
إنني أدعي أن هؤلاء القتلة يستلهمون طريقة شمشون اليهودي صاحب مقولة: "علي وعلى أعدائي يا رب" عندما دمر المعبد على جميع من فيه بمن فيهم نفسه، نموذجاً ومثالاً.
كلما اعتقدنا أن موجة الإرهاب القاعدي الداعشي تتراجع، وأن صورة الإسلام والمسلمين تتحسن بأداء اللاعب المسلم محمد صلاح في نادي ليفربول، نفاجأ بالعكس: بالتفجيرات الانتحارية والطعن أو الدهس في شارع، أو كنيسة، أو في جامع، أو في عزاء، أو فرح.
ما تزال "الجماعة الإرهابية" مصدقة حالها أن أبا بكر البغدادي انعكاس لأبي بكر الراشدي، وأن الفتوحات قادمة، وأن الفرس في الشرق، والروم في الغرب، سيُغلبون، وأننا لآثارهم ماسحون، غير مدركين أن ذلك كان زمان، في العصور الوسطى، وأن العالم تغير. لكنهم يصرون على مقولة "إن التاريخ يعيد نفسه" الكاذبة، وأن الله معهم لأنهم ينصرونه، مع أن الله لم ينصرهم. لو نصرهم لظلوا محتفظين بالرقة والموصل وغيرها من المدن والقرى.
ربما يعتقدون أن تدمير سورية والعراق وليبيا واليمن دليل على نصر الله لهم، لأنهم بعد التدمير، سينشئون مدناً إسلامية كالكوفة والبصرة والفسطاط والقيروان التي بناها الخلفاء الراشدون، وكأنهم يؤمنون بالتدمير الخلاق الذي حملته أميركا معها في أثناء غزوها لأفغانستان والعراق.
يعتقدون -أيضاً- أن قتلاهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون وقتلى غيرهم في النار يُحرقون. نقول لهم: افتحوا قبورهم فإذا وجدتوهم جثثاً تتعفن، فهم ليسوا شهداء ولم يُقتلوا في سبيل الله، وإنما قتلة مثواهم النار.
على الرّغم من الأهوال والدمار للذين رافقا أفعالهم أو نتج عنها، فإنهم يجدون من يُجندون، ولأدمغتهم يغسلون، وفي الميدان والجحيم يُلقون. كما تجد مئات ملايين المسلمين الأميين والمتعلمين -شكلياً- لهم يؤيدون -وعن أفكارهم وجرائمهم يدافعون. وللأسف لا تجد سوى قلة قليلة من المسلمين العقلانيين الواعين ينتقدون هذه التنظيمات ويشجبون أفعالها علناً، مع أن كل مسلم/ة وكل واحد/ة في هذا العالم متهم بالإرهاب بتفتيشه في كل معبر، أو مشروع ضحية قتلاً أو جرحاً، بتفجير أو طعن أو دهس. إن كل من يشجب فكر هؤلاء وسلوكهم الإجرامي، مسلماً أو غير مسلم، لا يعمل ضد الإسلام والمسلمين، وإنما مدافع عظيم عنهما.