وبعدين معك يا تربية؟

لي في الكتابة الصحفية ما يقارب نصف قرن، وقضيت في المعترَك التربويّ ما ينوف على 30 عاماً، وما أزال أعاينه بهذه الدرجة أو تلك، وأشهد أنه لم يحصل في تاريخ الأردن أن المجتمع المعرفيّ والثقافيّ نهض وتحدَّثَ وحلَّلَ وندَّدَ واجتمعَ وطالبَ بتغيير المناهج الدراسية البائسة والكتب المدرسية الأشد بؤساً، كما حدث في الشهور الأخيرة! فنظرة على مواقع التواصل الاجتماعيّ وعلى الصحف اليومية وعلى مقالات كتّاب وكاتبات أعمدة، وعلى محللين ومحللات من أهل الاختصاص، ستتيح للمسؤول "المطنّش" أن يستمع إلى أجراس الخطر التي تُقرَع، من أجل إعلان حالة الطوارئ الثقافيّة والتربويّة. فالنار وصلت إلى قرصنا، والإرهاب يحيط بنا ويقرعُ باب بيتنا، والمجتمعُ يبيتُ على كل مريبٍ من الأفكار والاتجاهات والمفاهيم، التي ليس منها السلام والأمان. وقد آتت أُكُلَها شجرةُ الإسلامويين المسمومةُ التي زرعت في ستينات القرن الماضي، من حشدٍ لجهاز تعليمٍ يقف ضدَّ الإبداع وطرحِ السؤال، ويقدِّسُ الماضي ولا يخرجُ من فلَكِه، ويعادي العقلَ والجديد والحداثة، ويكفّر، ويحضّ على الكراهية والعنف والقتل.. حتى أصبح الطلبةُ محضَ "روبوت" يرددون الأدعية لاتقاء الأذى، بدل بذل الجهد لإيجاد مخارج وحلول. فالحلُّ موجود في كلام الداعية الأميّ، والمعلم المسيَّس، والمدير المشغول بالحلال والحرام.اضافة اعلان
المساجد التي ما يزال خطباؤها ودعاتها يشتمون المسيحيين ويكفرون من يعايدهم ويفرحون لقتلاهم في بلاد العرب أو في الغرب، هي هي منذ نصف قرنٍ ويزيد. الـ"فيسبوك" يفيض بالتهنئات والشماتة بقتلى ما سموه "غزوة باريس". الحقد على الشيعة وتلبيس الطائفة كلها موقف إيران وحزب الله. بيوت العزاء المطنطنة للقتلة والانتحاريين من الدواعش. اللافتات الإسلامية في الطرقات وعلى أعمدة الكهرباء، التي لا توجد واحدة منها تحض على خلق كريم أو على قيمة واحدة بناءة. المستشفيات الحكومية التي غزتها يافطات الإسلاميين ورموزهم، حتى تظنان أنكما في مسجد إخواني لا في مشفى. المدارس الخاصة التي تعلم الأطفال أدعية الاستيقاظ والنوم قبل استخدام العقل وتحريض التفكير. تعليم البنت أنها دون شقيقها، عورة صوتاً وجسداً وحضوراً. كره الأديان الأخرى كحجر أساس في إيمان المسلمين والمسلمات. نزع مفهوم الوطن والوطنية والمواطنة، وإحلال الإيمان والأمة الإسلامية مكانها. مسح الهوية القومية لصالح الهوية الدينية المهجنة والمخترعة من إسلام الفاقة الحضارية.
ما الذي تنتظره وزارة التربية لتعلن حالة الطوارئ، ودعوة مجتمع المعرفة إلى القيام بالواجب في إعادة بناء العمارة التربوية المتصدعة، قبل أن يأتي داعشي مغسول دماغ وضمير فيفجرها فوق رؤوس ساكنيها؟!
دعونا فعلاً لا نفقد الأمل مع أنه يبدو ميتاً بآلاف العلل التي ركبته!