وترفل بالحرير (...)

قل يانزار قباني، لنردد خلفك:

يا تونس الخضراء جئتك باكيا

وعلى جبيني وردة وكتاب!

هل دولة الحب التي أسستها

سقطت علي وسدت الأبواب؟

لماذا توقفت؟ أكمل البيت المهم في هذه القصيدة، يانزار، صحيح أنه يخدش الحياء العام، لكن بوسعك وضع المفردة الخادشة داخل قوسين، ونحن سنفهم كل شيء:

في عصر زيت الكاز يطلب شاعر

ثوبا وترفل بالحرير (...)

من الذي "يرفل بالحرير" في عصر النفط يا نزار؟ سأجيب أنا، في ما بعد، لكن لماذا تعيد علينا قصيدتك التونسية الآن يا نزار؟ أللأمر علاقة بما يحدث هناك؟ وهل تعتقد أن الغضب العارم الذي أشعله شاب فقير، بعد أن أحرق نفسه، يأسا، على إهانة كرامته، وسد نوافذ الرزق في وجهه، له علاقة بتلك المظاهرات الشعبية العارمة التي أججت الشارع التونسي، وأشعلت الغضب الكامن في نفوس البشر المهمشين؟

وهل تحتاج الشوارع العربية إلى "أكباش فداء"، دائما، لتعلن ثورتها واحتجاجها على الكبت السياسي والمعيشي؟ ربما فللتحركات الشعبية، دائما سبب معلن ظاهر، في موازاة آلاف الأسباب الأخرى غير المعلنة إلا في النفوس المقيمة على فوهات البراكين!

وما هي إلا أيام، حتى انفجر الشارع الجزائري، أيضا، غضبا على ارتفاع الأسعار، والغلاء الذي طال كل شيء، حتى أوراق "التواليت"، وهذا، أيضا، هو السبب المعلن، وأترك لخيال المهمشين، في الوطن العربي، أن يقدروا الأسباب غير المعلنة وراء الغضب الجزائري!.

وماذا عنا، هنا، في الأردن؟ إلام نعزو موجات العنف المجتمعي، والجامعي، التي ضربت شواطئ استقرارنا، وعصفت بثوابتنا، كبلد تغنى طويلا بـ"وداعته"، وكيف نفسر هذه الردة، حتى بين فئات الشباب التي يفترض أنها أكثر تحضرا وتفهما لضرورات المجتمع المدني؟

ربما كان حريا بنا، نحن أيضا، أن نستحضر شاعرنا العملاق، (عرار)، لنستمع إليه وهو يقول:

وطني الأردن لكني به

كلما داويت جرحا سال جرح!

كم جرحا أردنيا داويت يا (عرار)؟ انهض من مرقدك، وتعال لترى بنفسك كم تضاعف عدد الجروح، من نزيف البطالة، إلى نزيف الفقر، إلى نزيف الفساد والمحسوبيات، وليس انتهاء بنزيفنا قهرا أمام علم إسرائيلي، منصوب في عمان!.

هل بوسعك ياعرار، أن تتجاوز، إذن، السبب المعلن للعنف الذي يهددنا، وتدرك الأسباب الحقيقية لهذا العنف.. الأسباب التي تتغافل عنها حكوماتنا، وهي تعمد بعد كل حادثة عنف إلى تأليف لجنة لدراسة "أسباب العنف المجتمعي".

حكوماتنا لا تريد أن تعرف السبب، ياعرار، بل تحاول "الغمغمة"، والتستر على الأسباب الحقيقية لهذا العنف، لأن العلاج سيكلفها "تخفيض الأسعار"، وزيادة فرص العمل، وإطلاق الحريات الحقيقية، والسماح بتداول السلطة، وإلغاء الاتفاقيات مع العدو الصهيوني، ولذا فهي مضطرة، إثر كل حادثة عنف أن تعلن "دهشتها"، وتصيح "يالطيف"!، وأن تمتص الغضب بلجنة لا تجتمع لأكثر من جلسة أو جلستين، ثم ينفرط عقدها!

الشوارع العربية على صفيح ساخن، والشرارة انطلقت، ولن تتوقف هذه المرة، حتى يسترد المواطن العربي كرامته الممرغة بالقهر والتهميش!.

أما الساسة العرب، فحري بهم أن يأخذوا العظة مما يحدث في الشوارع، لأنه بات من الواضح، أن هناك آلافا من الفقراء المستعدين لإضرام النار في أجسادهم، وفي أوضاعهم المتردية، كلها، بعد أن تجاوزوا أقصى مراحل اليأس بمراتب أعلى!.

وهم شبان لن يقبلوا بعد الآن بلغة "السفسطة" و"الغمغمة"، والوعود الكاذبة، بل يريدون حلولا جذرية لكل ما يشدهم إلى حضيض الشوارع الخلفية للمجتمع!.

اضافة اعلان

وهم شبان لن يقبلوا، أيضا، أن يروا "شاعرا" في عصر زيت الكاز يطلب ثوبا، في الوقت الذي ترفل فيه بالحرير "بائعات الهوى"!.

[email protected]