وجه مرسي الإخواني

بجرة قلم، وبدون أن يرف له جفن، قام الرئيس المصري المنتخب، محمد مرسي، والذي كان عانى عقودا من اللاديمقراطية وانعدام الحرية والإقصائية بإصدار إعلان دستوري يمكنه من الاستحواذ على السلطات الثلاث، ومنع مساءلة قراراته، وذلك بحجة إعادة التوازن إلى السلطات السياسية ومؤسسة الرئاسة. وهو ما أدخل مصر في دوامة تجاذب سياسي لا تخلو من العنف. والخوف على المستقبل الذي بدأت ملامح "التوتاليتارية" تلوح في أفقه.اضافة اعلان
سبقت هذا الإعلان الجدلي وغير الديمقراطي سلسلة من القرارات على مستوى الأجهزة الأمنية والإعلامية اعتبرت جدلية، ولكنها غير متعارضة مع مبادئ الديمقراطية والتعددية، فيما الإعلان الأخير مختلف تماما؛ إذ يُظهر عقلية مؤدلجة تقف خلفه، لا تفهم أو تقبل الديمقراطية والتعددية. فالإعلان الدستوري الأخير لا يمكن أن يفهم إلا أنه مقدمة لشيء أخطر؛ فهو بأبسط تداعياته يمهد لحالة من عدم المساءلة لقرارات الرئيس، والتي يعرف ربما من سيتخذها أنها لن تكون ديمقراطية.
الأمر المفصلي الذي يبدد أي فرص لنوايا أو قراءة إيجابية لإعلان مرسي هو انعدام الأسباب الموجبة له. فقد مرت قرارات الرئيس المصري المنتخب السابقة التي لم تتعارض مع الديمقراطية وقيمها، بدون معارضة تذكر، بل اعتبرت حقاً مشروعا لرئيس يريد التغيير وبناء دولة حديثة وديمقراطية، فلماذا إذن كل هذا التحصين والإقصاء السياسي الذي كرسه الإعلان الأخير، إذا لم يكن مرسي والإخوان يخبئان في أكفهما شيئا؟!
ما يجب أن يعيه الرئيس المصري وحزبه أن إعلانهما الدستوري غير ديمقراطي، حتى ضمن أكثر مقاييس الديمقراطية تحفظا. وإذا كان مرسي يعلم ذلك واستمر في إعلانه الدستوري، فتلكم مصيبة، وإذا كان لا يعلم فالمصيبة أعظم! وعلى الرئيس أن يعي أن سلوكه السياسي في بناء مصر الديمقراطية أمر في غاية الأهمية الاستراتيجية لبلده والإقليم، لأنه إذا ما نزع إلى التفرد بالسلطة هو وحزبه، ومارس الإقصائية، ودنّس احترام التعددية، يكون قد قضى على فرص مصر الديمقراطية، ورسخ فعلا لا قولا الخشية من "ديمقراطية المرة الواحدة"، التي طالما تم التحذير منها.
بعد إعلان مرسي الدستوري الإقصائي والاستحواذي على السلطة، لا يمكن لأي حزب إسلامي أن يتساءل عن أسباب انعدام الثقة به وبنواياه، التي طالما شعر بها من حوله. مثل هذه السلوكيات -وبالذهن ما قامت به "حماس" في غزة أو الإطار الأيديولوجي الإقصائي للثورة الإسلامية في إيران- هو ما يجعل من هم حول الحركات الإسلامية يتخوفون منها ومن نواياها السياسية الدفينة التي لا تقبل التعددية ولا الديمقراطية. ولهذا تماما يحاول العديد من المجتمعات والدول إشراك الإسلاميين في العملية السياسية، ولكن بما لا يعطيهم أي فرصة للاستحواذ السياسي كما يحدث في مصر.
تقف مصر عند مفترق طرق تاريخي ومصيري كدولة وشعب. وسيكون لذلك تداعيات هائلة على الإقليم برمته. فهي إما أن تنحو باتجاه النموذج التركي الذي قدم طرحا سياسيا إسلاميا أبهر العالم، وحقق الرفعة والتقدم لتركيا وشعبها، أو أن تذهب باتجاه النموذج الإيراني أو "الطالباني"، فتكون قد قدمت لأعداء الديمقراطية جلّ ما يتمنونه، وقضت على فرص الإصلاح والتنمية السياسية في مصر والإقليم، وأخرت حدوث الديمقراطية لعقود قادمة.