وجه معان الجميل

بتقييم عام، لكنه دقيق أيضاً، تبقى مبادرات القطاع الخاص لدعم المجتمعات المحلية بشكل حقيقي، محدودة جدا. أما عدد المؤثر منها في تغيير واقع هذه المجتمعات، فإن من السهل الإشارة إليه، لقلته!اضافة اعلان
الدور المجتمعي التنموي التنويري، إن جاز التعبير، للقطاع الخاص عموماً، يكاد يكون بالكاد ملموساً، ربما لأن فكرة المسؤولية الاجتماعية ما تزال رقماً لا أكثر؛ تدرجه الشركات في ميزانياتها العامة وكأنها تُسقط عن نفسها مسؤولية قانونية أولا، وأخلاقية ثانيا، ما يفسر التأثير الهامشي حد العدم للمبادرات الواردة تحت بند النهوض بهذه المسؤولية.
من هنا تبدأ بالاتساع الفجوة بين القطاع الخاص والمجتمعات المحلية. لكن الأمر يتفاقم بسبب العقبات والمشاكل المرتبطة بالمجتمعات أيضاً. فهذه الأخيرة، بسبب عدم قدرتها على اجتذاب مبادرات جادة، والسعي إلى الاستفادة المثلى منها، تقيم بدلاً من ذلك علاقات نفعية باتجاه واحد مع القطاع الخاص، تتجسد خصوصاً في تعيين الشركات بعضاً من أبناء المنطقة، أو تقديم معونات عينية موسمية لها.
في مقابل تلك الصورة العامة السلبية السائدة، تبرز التجربة المهمة والرائدة لمجموعة طلال أبو غزالة، والتي بدأتها منذ سنوات في مدينة معان، بالتعاون مع مؤسسات المجتمع المدني هناك؛ فاستطاعت تحقيق منجزات بات أهل معان يتحدثون بها. وهي مبادرة بدأت بتعليم الموسيقى، لكنها لم تتوقف عند تدريب الشباب أيضا.
ولعل أهم ما يميز الخطوة، ابتداء، هو أن "المجموعة" لا تمتلك استثمارات في المدينة الجنوبية. لكنها، برغم ذلك، استشعرت مشاكل معان، كما قدراتها الكامنة في أبنائها، فسعت إلى القيام بدور ريادي للتخفيف من مشاكل المدينة.
الأنشطة التي تم تنفيذها من خلال مبادرة "المجموعة" في معان، اشتملت على تدريب وتخريج 22 شابا بدبلوم متخصص في الطاقة البديلة؛ وتدريب 80 طالبا من هيئة "شباب كلنا الأردن" في مهارات اللغة الإنجليزية والمشاريع الصغيرة.
كما تم بموجب المبادرة تجهيز عدد من القاعات ومحطات المعرفة الخاصة بالتدريب وتنظيم النشاطات في كل من نادي شباب معان، ومركز القنطرة، إضافة إلى مختبر حاسوب في جامعة الحسين بن طلال، ومركز في هيئة شباب كلنا الأردن/ صندوق الملك عبدالله الثاني، وتجهيز الصف الذكي في مركز الأمير الحسين الثقافي لخدمة أطفال المنطقة. كما افتُتح مكتب للمجموعة في شركة تطوير معان، لتقديم الخدمات المختلفة للمستثمرين، إضافة إلى مركز الأرشفة الإقليمي للمجموعة.
وفيما يتعلق بالتشغيل؛ تم توظيف العديد من شباب معان في مركز الأرشفة، وتشغيل شابات من المدينة في جامعة الحسين بن طلال، والانتهاء من التراخيص الخاصة بإنشاء محطة إذاعية تبثّ إلى عمان كما محافظة معان. ويتم السير، كذلك، بإجراءات إنشاء فندق هناك، كشركة مساهمة أردنية معانية.
ثمة مشاريع أخرى مستقبلية تفكر مجموعة طلال أبو غزالة بإنشائها في معان، من أبرزها مستشفى بكامل التجهيزات، ومركز تدريب وتأهيل متخصص للمعاقين بهدف تشغيلهم. ومتابعة السير بملف الميناء البري، وتقديم برنامج توظيف خاص لخدمة شباب وشابات المنطقة.
كبير ما يمكن للقطاع الخاص فعله لإفادة المجتمعات المحلية، إن تخلى عن نظرته المحدودة تجاه دوره التنموي، وأدرك حقيقة أن الأمن الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع الأردني ككل، هو مصلحة شخصية لكل فرد وجماعة ومؤسسة، على هذا القطاع أن يساعد، بالتالي، على تكريسها.
لو أن معان شهدت عشرات المبادرات المشابهة منذ برزت أزمتها قبل عقود، لكانت حال المدينة وأهلها مختلفة تماماً عما نراه اليوم، ولعرفنا منذ وقت طويل الوجه الحقيقي الجميل المعطاء لمعان؛ المحافظة والأهل.