وحدة دم خفيف!

في العام الخامس من هذه الألفية توفي "الرجل المهم" و"الرجل الثالث" المعروف بـ "سعد اليتيم" قبل أن يكمل تصوير فيلم "حليم" سيئ الحظ. كان "هيثم"، الابن الوحيد للأسطورة "أحمد زكي"، قد اجتاز العشرين بعام واحد فقط، لكنه وجد نفسه أمام مهمة تحتاج عشرين عاماً أخرى، وهي أن يكون "حليم" و"زكي" معاً في الفيلم المنحوس، والمهمة كانت ضرورة إنتاجية لإنقاذ الفيلم. قَبِل "هيثم" بالمهمة "الأخلاقية"، وأعلن أنّه لن يمثل فيما بعد، لكنه اكتشف أنّ مؤهله الوحيد أنّه "ابن أحمد زكي"، وكلّ محاولاته منذ عشرة أعوام لأن يكون "نمراً أسود"، و"امبراطوراً" و"بيه بوّاب" هي مثل محاولاتي لأن أكون محترماً ووقوراً ومُهاباً مثل أبي!اضافة اعلان
هذا ليس تحاملاً على هيثم، فهو شاب مصري أسمر كان يمكن أن يكون "خريج تجارة" أو "دبلوم صنايع"، ويملأ استمارة مستحيلة في وزارة القوى العاملة، لكنّ المصادفة الجينية والأزمة الإنتاجية لفيلم "حليم" فرضت عليه أن يكون ممثلاً، رغم أنه ليس موهوباً، صحيحٌ أنه اكتسب بعض القبول الفنّي بعد عشرة أعوام من العمل بصفته ابن "معالي الوزير"، وهو اكتساب كان سيحدث لأيّ "خريج تجارة" أو "دبلوم صنايع" إنْ وجد فرصة أن يكون شاعراً يتيماً في مسرحية للمشاغبين، ويبدأ من الصفر، كما لم يفعل "هيثم" الذي بدأ من الرقم عشرة بصفة "بلياتشو"، ولم يضف إلى رصيده بعد عشر تجارب، ولو صفراً واحداً.
عادل إمام وهو أيضاً "حنفي الأبّهة"، تبرّع بوحدتين من دمه الخفيف لابنه "محمّد"، وصار لزاماً على السادة المشاهدين أنْ يشاهدوا "سرحان عبد البصير" من جديد وهو أكثر وسامة، وبهيئة عصرية، وشَعر بلا استعارة، وكلُّ النساء يقفن ويقعن وينمن في حبّه.
"أحمد" أيضاً شاب طويلٌ وجد في منتصف العشرين أنّ اسمه له امتداد فنيّ، وأنّ أباه "العمدة سليمان غانم" المعروف أيضاً بصلاح السعدني يمكن أن يزكيه لدى "أعمامه" من الممثلين والمخرجين، وهناك "أحمد" ثانٍ ابن ممثل من الدرجة الثانية، وهما وغيرهما، تكرار لتجربة "أحمد" ثالث، كان الابن الوحيد الذي تفوّق على أبيه، وأعاد المجد لاسم "الفيشاوي" بعد أن كان المقهى أشهر من الفنّان! 
حاول أحمد زكي الانتحار لمّا رفضه المنتج لأن لون بشرته سمراء، وهيئته غير لائقة لحبّ سعاد حسني. وأسفل رقبة عادل إمام ربّما ما تزالُ آثار لأصابع فؤاد المهندس وشويكار، وفي نفسه إحساس قديم بالدونية من الوقوف وراء أحمد مظهر. أما صلاح السعدني فقد مشى فلاحاً حافياً وتشققت قدماه قبل أن يقنع المخرج والمؤلف بأنه "عمدة"، بعد بلوغه سن العُمودية في الأربعين. ركبوا المواصلات المتعددة وقوفاً، وربّما تحايلوا بالظلّ والخفة عن دفع الأجرة، وأكلوا من عربة الفول غير المأمونة. كانوا يصلون إلى الاستديو قبل موعد التصوير بيوم كامل، وربّما كانوا ينادون مدير التصوير بـ "سعادة البيه"، حتى وقفوا فوق الصفر، وراكموا على شماله الأرقام، وأنجبوا أبناء كان ينبغي أن يعلموهم أولاً ركوب "الأتوبيس"!