وحش جديد ينتظر.. هذه ليست النهاية الموعودة لداعش

زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي
زعيم تنظيم داعش أبو بكر البغدادي

في العام 2014، كان من الصعب المبالغة في القلق والارتباك في الشرق الأوسط، فقد اكتسحت جحافل المسلحين الإسلاميين العراق وسورية.. كان الناس في جميع أنحاء المنطقة يتساءلون: من أين أتى تنظيم داعش، وأين سيتوقف؟ لبرهة، أصبح الحديث عن زوال الحدود ورسم خرائط جديدة منتشرا جدا.

اضافة اعلان

والآن، بينما يضعف تنظيم داعش، هناك شعور واضح بالارتياح، فقد تبين أن التنظيم الإرهابي ليس ذلك الوحش الذي يخافه الجميع، ولم تتحقق تلك المخاوف من إغراء الشباب العربي بشكل جماعي.. الحكومة العراقية ليست أسوأ مما كانت عليه في السابق (بالرغم من أن هذا ليس سببا للاطمئنان)، ظل الأردن محصنا تماما بفضل الرعاية الدولية المستمرة والأجهزة الأمنية القوية، ورفض التيار السني العام والإسلاميون المتشددون في لبنان مناشدات تنظيم داعش بشدة.

لكن، حتى مع ترقب الجميع للتقارير التي تتناول ما يحدث في الموصل بالعراق، وأماكن أخرى، هناك قليل من التفاؤل.. الجميع يعلم أن إضعاف تنظيم داعش يرافقه ظهور العديد من الخلافات القديمة، فقد غطى الانقسام السني الشيعي “الصاخب والساذج” على الديناميات العرقية والقبلية والإقليمية والسياسية المعقدة، التي حفزها الغزو الأمريكي للعراق، وأدى انهيار داعش العراقية إلى تفاقمها.

وبعيدا عن الدمار الإنساني والمادي الكبير، فإن الضرر وقع بطرق خبيثة وحمقاء، فقد أقحم تنظيم داعش نفسه داخل الوجدان العربي الفردي والجمعي،... وكثيرون من السنة، إما يدينون فكر التنظيم المتعصب، أو يعتبرون تنظيم داعش غير إسلامي، بدلا من التساؤل حول أسسه.

في العام 2014، كانت إدارة أوباما تأمل في أن يجمع القتال ضد تنظيم داعش جميع الحكومات والقوى الإقليمية الفاعلة، فالتنظيم في النهاية كان الشرير المثالي: فقد كان عدو الجميع، وكان الجميع أعداءه.، فربما يجعل التهديد المشترك الجميع يعملون معا، أو على الأقل يوقفون تنافسهم المدمر، فقد كانت إيران والسعودية والثوار في سورية ونظام الأسد جميعا أهدافا للتنظيم: والمنطق الديكارتي يقول إنه من الواجب عليهم أن يخففوا من حدة مواقفهم، وأن يعيدوا توجيه نيرانهم.

لكن ليست هذه الطريقة التي تعمل بها السياسات في الشرق الأوسط، في هذا العصر من الاضطراب، فما لم يكن البربريون على أعتابك، لن يكون قتال تنظيم داعش أولوية بالنسبة لك، وعلى وجه الخصوص إذا كانت الولايات المتحدة ستتحمل الكثير من العبء العسكري؛ وعندما يكون الموقف هكذا، يكون هناك حسابات أخرى.

إذا حدث أي شيء، فقد تحول القتال إلى وسيلة أو ذريعة لجميع الأطراف، كي يحققوا مصالحهم المتضاربة، فبدلا من مواجهة واقع ما ستؤدي إليه طموحاتهم وخصوماتهم، ثم يعيدون التفكير ويسعون إلى حلول وسط، تسابقت الحكومات والميليشيات لملأ أي فراغ يمكنهم الاستيلاء عليه من التنظيم الإرهابي، فالتنافس على الأحزان ومن أجل المجد مهم جدا: من تعاون مع تنظيم داعش، ومن عانى أكثر من الآخرين، ومن قاتل أكثر، فمن يستحق أكثر من الآخرين سيكون في القلب من الصراعات القادمة.

التوترات الإقليمية والمشاعر الطائفية اليوم، أكبر منها بكثير في العام 2014، فقد تبنت إيران خطابا أكثر طائفية لحشد المقاتلين الشيعة، بالرغم من أنها في الأساس لا تقاتل تنظيم داعش في سعيها للهيمنة على المنطقة.

الانقسامات الداخلية بين الشيعة في أسوأ حالاتها في بغداد، حيث تتنافس الميليشيات المدعومة من إيران، مع الحكومة والفصائل الأخرى الموالية للمؤسسة الدينية التقليدية، ومن يزور كردستان العراق يشعر بالرعب من إخلاص البشمركة، والخلل والعداوات الداخلية الكردية، وإزدراء بغداد وسياسييها وميليشياتها الشيعية، وما يغفل عنه دائما هو الانتقام الداخلي والتنافس السياسي، الذي يهدد بضرب المجتمع السني أكثر وأكثر، ربما يتم تحرير الموصل خلال الشهور القادمة، لكن بعد النظر السياسي والشهامة، أمور لا يزال من الصعب إيجادها.

لكن ليس هناك أسوأ من الوضع في شمال سوريا، فالميليشيات الكردية والثوار السوريون (الذين تدعم تركيا بعضا منهم، وتدعم الولايات المتحدة جزءا آخر)، وتركيا والولايات المتحدة يتنافسون للسيطرة على الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وفي مكان قريب، يصعّد الأسد وروسيا الحصار الوحشي على شرق حلب، متسائلين ما إذا كان الثوار المدعومون من تركيا سوف يتحركون جنوبا لإغاثة المدينة، أو إن كانت تركيا ستقنع بمنطقة نفوذ لها وتوقف تحركهم.

اليوم، يفهم كثير من العرب ما هو واضح: تنظيم داعش هو نتاج لمشكلات مجتمعاتنا المستمرة، وفشل حكوماتنا، كما أنه أيضا محفز لمزيد من الاضطرابات.. إنه الوحش الذي أنتجه النوم الجماعي للعقل..

المشهد الآن معد لصراعات فرعية أقل وأكثر حدة، لن تكون هذه النهاية الموعودة لتنظيم داعش، لكنها نهاية الشرق الأوسطيين العاديين، وسيكون الوضع سيئا بما يكفي، لكي يسمح للتجسيد الجديد للتنظيم، الكامن في مكان ما في الخلفية.-(التقرير)