ودائع وتسهيلات!

تشير أحدث البيانات الصادرة عن البنك المركزي حول تطورات الودائع والتسهيلات الائتمانية في الجهاز المصرفي، خلال الثلث الأول من هذا العام، الى نمو الودائع بحوالي 532.0 مليون دينار، أو ما نسبته 2.6 %، لتصل إلى حوالي 20.8 بليون دينار، ونمو صافي التسهيلات بحوالي 207.0 ملايين دينار، أو ما نسبته 1.6 % ، لتصل إلى حوالي 13.5 بليون دينار، الأمر الذي أسهم في نمو السيولة الفائضة لدى الجهاز المصرفي بحوالي 4.5 % عن مستواها في نهاية العام السابق، لتسجل ما مقداره 7.3 بليون دينار. وقد أدت هذه التطورات إلى نمو السيولة المحلية، أو عرض النقد، بنسبة متواضعة لم تتجاوز 2.3 %، الأمر الذي قد يشكل تحديا آخر أمام تحقيق الاقتصاد لمعدلات نمو مرتفعة!

ويمكننا القول أن النمو البطيء الذي ما تزال تسجله التسهيلات الائتمانية لا يعكس بالضرورة استمرار ظاهرة تحفظ البنوك في منح المزيد من التسهيلات بقدر ما يعكس ظاهرة عالمية أصبحت تسمّى بظاهرة عزوف الشركات والأفراد عن الاقتراض، أي أن المشكلة باتت تكمن في جانب الطلب أكثر مما تكمن في جانب العرض .

ولا شك أن نمو الودائع بمستويات تفوق نمو صافي التسهيلات يأتي ضمن المؤشرات التي تؤكد هذه الظاهرة، حيث يقبل الأفراد والشركات على إيداع فوائضهم المالية لدى البنوك رغم معدلات العائد المتواضعة. إلى جانب ذلك فإن العديد من البنوك يلاحظ أن العديد من عملائها، وخاصة المليئين منهم، لا يقومون باستغلال السقوف الائتمانية الممنوحة لهم، كما أن حجم تسديدات بعضهم يفوق بكثير حجم التسهيلات الائتمانية التي يطلبونها، هذا في حال طلب الحصول على تسهيلات جديدة! وهذا يعني أن البنوك الأردنية أضحت من الضحايا غير المباشرين للأزمة المالية العالمية في حين كانت سلوكيات بنوك دولية وإقليمية من أسبابها!

ومن العوامل التي يمكن إدراجها لتفسير هذه الظاهرة استمرار حالة عدم التيقن حول مستوى واتجاهات النشاط الاقتصادي. وربما تكون الحكومة قد أسهمت في تعميق هذه الحالة، عندما تحدثت بإسهاب وتكرار عن حجم التحديات الاقتصادية لتبرير اتخاذ بعض الإجراءات والتدابير المفصلية للحد من عجز الموازنة وتضخم المديونية. ولا يعني ذلك أن الحكومة لم تكن محقة فيما قالت، ولكن من المعروف أن لكل سلوك أو تصرف أو قرار حكومي آثاره وانعكاساته! وربما تكون من العوامل الأخرى محدودية فرص الاستثمار المتاحة، إلى جانب الأداء الضعيف للسوق المالي.

اضافة اعلان

وقد يسهم ضعف الطلب على الائتمان في دفع البنوك لمزاحمة بعضها على العملاء الذين يتمتعون بالملاءة. وليس هذا فحسب، بل يخشى أن يؤدي ذلك إلى دفع بعضها للتغاضي عن بعض الشروط المهمة التي يجب توفرها في طلبات الائتمان بهدف زيادة حجم التسهيلات الائتمانية، أو على الأقل الحد من تراجعها، وهذا أمر في غاية الخطورة لأنه يغلّب الجانب الكمي على الجانب النوعي في محفظة التسهيلات، ما قد يعرض البنوك التي تتبع هذا المسلك إلى مشاكل تتمثل بارتفاع حجم الديون المصنفة في محافظها.

[email protected]