وداعا محمد علي

أنا من الجيل الذي عايش الأسطورة محمد علي كلاي، متتبعاً خطواته ونشاطاته وانتصاراته لحظة بلحظة، كان بوسامته وقوة قبضته والتزامه بمبادئه يجذب إليه شباب العالم المتطلع في ذلك الوقت إلى التحرر من الاستعمار والتبعية والتمييز العنصري المقيت، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية.اضافة اعلان
كنا نشعر أنه يمثلنا وأن فوزه فوز للمبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي كانت مفقودة في كثير من أنحاء العالم وما تزال.
محمد علي كلاي لم يكن بطلاً في الملاكمة فقط، يطير كالفراشة ويلسع كالنحلة، ويلقي بأبطال العالم في الوزن الثقيل أرضاً بالضربات القاضية، بل كان شجاعا جدا عندما اعتنق الإسلام السمح في مجتمع لم يكن يعرف عن الإسلام شيئا كثيرا، وكان جريئا وبطلا عندما رفض التجنيد لقتال الشعب الفيتنامي على أرضه وسط عشرات الألوف من الضحايا الأبرياء والدمار الشامل.
لقد طاف العالم والتقى بمعظم قادته وزعمائه خاصة في المنطقة العربية، حيث كان له احترام وتأثير كبير على هؤلاء القادة الذين استقبلوه استقبال الأبطال.
لقد انطفأ وهج بطولة العالم للملاكمة في الوزن الثقيل مع اعتزال محمد علي كلاي للعبة، ولم تعد الآن كما كانت.
لقد أتيح لي المجال أن أرى البطل العملاق مرتين الأولى عندما قدم مباراة استعراضية في القاهرة عام 1976، حيث ذهبت من عمان إلى هناك لمشاهدة هذا البطل الوسيم القوي الإرادة والعزيمة والشكيمة المتبحر في فنون اللعبة التي أضاف إليها الكثير من فنونها وأساليب لعبها، وجعلها منبرا رياضيا فاعلا.
والمرة الثانية كانت عام 1984 في دورة الألعاب الأولمبية في لوس أنجلوس، حيث التقى البطل بعدد من أعضاء الوفد الأردني للأولمبياد بحضور الزميل الكبير محمد أبو الطيب، والزميل مضر المجذوب، وكان قد بدأ مرض باركنسون (الشلل الرعاشي) يفتك به رويدا رويدا، وتحدث إلينا همسا وببطئ شديد عن طموحاته في تحقيق العدل والسلام وجعل الرياضة طريقا مفروشا بالخير والمحبة والوفاق بين بني البشر في العالم.
لقد عبرت الجنازة المهيبة الرسمية والشعبية الاستثنائية التي صاحبت رحيل البطل إلى مثواه الأخير، عن محبة وتقدير العالم له ولدوره الرياضي والإنساني والبطولي والتاريخي.
لم نر جنازات بهذه الضخامة سوى للقادة الكبار في العالم سواء في الغرب أو الشرق، وفيها تقدير عميق للرياضة والرياضيين الذين يحفرون أسماءهم بحروف من ذهب في سجل تاريخها.
لقد رحل محمد علي إلى جوار ربه تاركا تراثا وقيما وإنجازات للأجيال القادمة التي تحتاج إلى أمثاله.