وداعا يا صديقي

هذا المساء هو آخر عهدي بك.. أعرف!!
أدرك أنني لن أراك بعد الآن، فهذه هي النظرة الأخيرة حيث لا سلام ولا كلام، ولا حتى مرور كرام كما تعودنا منذ أكثر من عقدين اعتدت فيهما أن أصبحك وأمسيك؛ مرة بالتفاؤل ومرة بالغضب والحدة، ومرات كثيرة بالتعبير الفض عن مرارة الزحمة والاكتظاظ.اضافة اعلان
كنت أعشقك في ساعات المساء، حين تركن إلى هدوئك ووقارك بعد يوم طويل من التزاحم (واللف والدوران) فآتيك بابتسام، راجياً أن تكون أيامك كلها بهذا الهدوء الرزين.
كما اختزنت يا صديقي في داخلك من صور وسجلت من مشاهد؛ غضب الناس، تداخلاتهم، شتائمهم وحركاتهم وحتى صبرهم المتثاقل وصمتهم، بانتظار القادم إليك أولاًًً،
يا صديقي هذه هي نظرتي الأخيرة لك، قبل أن يخترقوك ويطلقوا لأنفسهم وأفكارهم ومشاريعهم العنان فيك وعبرك، لتؤول إلى جسم غريب، نكاد لا نعرفك ولا ندرك من أين نبدأ معك.. كيف نهم بك وأين ستوصلنا بصمتك هذا.
أنت من أخطأ منذ البداية، فقد علمتنا كيف نواصل (اللف والدوران) حولك، وانت مُصرٌ على صمتك، حتى أتى من يقتلعك من (شروشك) بداعي أن لا وجود لأمثالك بعد اليوم، بسبب اكتظاظ البشر وازدياد الحركة.
اخترقوا أيضاً بآلياتهم، صمتك وهدوءك ورزانتك التي تعودناها منْك؛ ثابتاً، محافظاً على مواعيدك، صامداً في وجه التغيير الذي طال من قبلك من الرفاق.
بعد الآن، لم تعد في حساباتي ولا ضمن خيارات طريقي التي اعتدت أن تكون أنت أساسها وجزءاً رئيسياً منها، حتى في الأوقات التي كنا نغبطك أو نشعر بالمرارة فيها للضغط الممارس عليك من كل الاتجاهات، كنا نرى فيك نقطة الانطلاق وحجر الرحى.
أضاعوك يا صديقي، وقد تشرذمت، ضاعت هيبتك حين اجتمعت عليك كل خيارات تكنولوجيا المرور وآليات العمل والشاشات المتطورة، هذه تشير إلى اتجاه، وتلك تشير إلى اتجاه آخر، أنت ما زلت كما أنت صامتا تتلقى الخطط والاستراتيجيات والأفكار وعليك أن تنصاع لها صاغراً لأن مثلك لا مكان له بعد اليوم.
مساء الثلاثاء 12 أيار (مايو) ألقي عليك النظرة الأخيرة، قبل أن أُودعَكَ في ركن النسيان بعيداً في خلفية عقلي، حيث لا عودة.. لكن الصور ستبقى شاهدة على طيبة العشرة التي جمعتنا أياماً طويلة كل صباح وعند كل مساء، في عمان الحبيبة التي ارتبط اسمك بها..!
يا سيدي
مهما اختلفنا بأمرك فأنت قيمة عََمانية تعودنا أن نطمأن عليها ونركن إليها، وحتى إن كان بـ(اللف والدوران) الدائم الذي مارسناه معك حتى أتت الأفكار الجديدة.
لا لفّ ولا دوران بعد اليوم، فقد اختزلوك حين فتحوا بواباتهم في عمقك فافقدوك الصورة والمعنى، وأخذوا منك مع كل ما أخذوا شكلك ومحتواك، أنت بعد اليوم جسم غريب لا صفة لك، مع احترامي.
يا صديقي..
وداعاً لأننا لن نلتقي بعد اليوم، فليس لي جَلَدٌ أو قدرة على تحمل مشاهد الوجع التي تصيب من يأتي نحوك اليوم، بهيئتك الجديدة، أو لنقل هيئتك المستحدثة، حيث لا أنت كما أنت، ولا أنت كما غيرك في العالم.
وداعاً يا صديقي الدوار الثامن.