ورشة البحرين والتوقعات المتضائلة لتحقيق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني في عهد ترامب

Untitled-1
Untitled-1

د. نمرود غورين* - (معهد الشرق الأوسط) 28/6/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

أنتجت ورشة العمل الاقتصادية التي عُقدت في البحرين في أواخر حزيران (يونيو) بعض اللحظات الجديرة بالملاحظة، والتي عكست التغيرات الأخيرة في العلاقات الإسرائيلية-الخليجية: إجراء وسائل الإعلام الإسرائيلية مقابلة مع وزير الخارجية البحريني؛ والتفاعلات العامة بين رجال الأعمال الإسرائيليين والعرب؛ والصلاة في كنيس محلي؛ ونظرة إيجابية بوجه عام تجاه إسرائيل.
مع ذلك، لم يكن هذا هو الهدف المعلن لورشة "السلام من أجمل الازدهار" التي عقدها جاريد كوشنر. كان الرئيس دونالد ترامب قد عكف قبل أكثر من عامين على حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني، وكان من المفترض أن تكون ورشة البحرين خطوة مهمة على الطريق. لكنها قصرت عن ذلك في الواقع: لم يحضرها أي من المسؤولين الإسرائيليين أو الفلسطينيين؛ ولم تختتم بأي خطوات ملموسة لدفع عملية السلام إلى الأمام. وبدلاً من ذلك، كانت اجتماعاً منخفض المستوى ومجرد إجراء واحد في سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها إدارة ترامب منذ العام 2017، والتي جعلت من احتمالات تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني أكثر بُعداً، وليس أقرب.
ليست إدارة ترامب هي الأولى التي تعاني عندما يتعلق الأمر بصنع السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. ومع ذلك، سعت الإدارات الأميركية السابقة إلى إيجاد حل مقبول لكلا الجانبين، وكانت تستجيب لمصالح جميع المعنيين. وإلى جانب التحيز الأميركي التقليدي لصالح إسرائيل، ركز النقد الذي كان يوجَّه إلى الإدارات الأميركية السابقة على الطريقة التي أدارت بها عملية السلام، وليس على اللعبة السياسية النهائية والأهداف التي تريد تحقيقها من مبادراتها.
لكن هذا ليس واقع الحال مع إدارة ترامب، التي تسعى إلى تغيير قواعد اللعبة، والواقع على الأرض، وطبيعة العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية المستقبلية. وفي حين أنه لم يتم إعلان تفاصيل خطة ترامب السياسية لحل النزاع بعد -والتي من المفترض أننا ننتظر إطلاقها- فإن التصريحات والإجراءات الأميركية تقترح سياسات جديدة تم تنفيذها بالفعل، وهي تنطوي على العديد من السمات البارزة التي يمكن إجمالها في ما يلي:
• محتوى غامض: كانت إدارة ترامب منهمكة طوال الفترة الماضية في خلق هالة من الغموض حول الخطة السياسية التي لم تكشف عنها بعد. وقد أصرت الإدارة على أن الخطة سرية ولا تعرف محتواها سوى قلة قليلة فحسب. ويلقي مبعوثو ترامب بمجرد تلميحات هنا وهناك حول ما هو موجود أو غير موجود في الخطة؛ ويتم بعد ذلك نفي الإحاطات الإعلامية والتسريبات؛ ويجري الإعلان عن تواريخ النشر المستهدفة للخطة، ثم يتم تأجيلها باستخدام أعذار مختلفة؛ ويزور المسؤولون الأميركيون مختلف الدول للتشاور حول الخطة، فقط ليتركوا مضيفيهم نهباً للحيرة. وإذا ما أُخِذت هذه الأمور معاً، فإنه لا يبدو أننا على أعتاب خطوة مهمة نحو السلام. وبدلاً من ذلك، يبدو أن الإدارة تتريث وتتجنب نشر خطتها السياسية، بينما تستمر في إثارة الجدالات الدولية حولها، بحيث تحول بذلك دون زيادة الدول الأخرى مشاركتها بينما تنتظر إعلان الخطة الأميركية.
• حوافز غير فعالة: يقدم الجزء الاقتصادي من خطة ترامب، الذي تم نشره قبل أيام من انعقاد ورشة البحرين، رؤية لتحقيق الرخاء والازدهار للفلسطينيين، والتي من المفترض أن تقنعهم بالتعامل مع الخطة الأميركية والانخراط فيها من خلال تسليط الضوء على الفوائد التي يجلبها لهم القيام بذلك. ومع ذلك، إذا كان هدف إدارة ترامب هو تحفيز السلام من خلال العوائد والحصص الاقتصادية، فإن هذه ليست هي الطريقة الصحيحة لتحقيق ذلك. يجب أن يكون أي حافز فعال للسلام مرتبطاً بشكل واضح بحل النزاع، ويجب أن يعالج الاحتياجات الجماعية الرئيسية للمجتمع المعني.
كان هذا صحيحاً بالنسبة للحوافز السابقة، مثل مبادرة السلام العربية، والعرض الذي قدمه الاتحاد الأوروبي بعنوان، "شراكة خاصة ذات امتيازات"، والضمانات الأمنية التي عرضتها إدارة أوباما لحل قائم على مبدأ الدولتين. وفي تلك الحالات، تم ربط فوائد ما بعد الصراع ببيان واضح حول طبيعة حل النزاع. أما في هذه الحالة، فإن الاقتراح الأميركي، الذي يعرض على الفلسطينيين اقتصاداً أفضل، يخلو من الإشارة إلى النهاية السياسية وإلى تحقيق السعي الفلسطيني إلى الاستقلال. وعلى هذا النحو، ينظر الفلسطينيون إلى هذا الاقتراح على أنه رشوة مهينة، ومحاولة لشراء طموحاتهم الوطنية بمبالغ كبيرة من المال. وبدلاً من تعزيز المشاركة، قد يؤدي هذا إلى مزيد من العزل والإقصاء.
• أحداث منخفضة المستوى: في غياب خطة جذابة وعملية حقيقية لتحقيق السلام، ركزت الولايات المتحدة على تنظيم أحداث منخفضة المستوى. وعلى مدار العامين الماضيين، دعت الولايات إلى المشاركة في مناقشات مائدة مستديرة، وجلسات للعصف الذهني، وورشة عمل، والتي تركزت جميعها على الاقتصاد. في آذار (مارس) 2018، دعا البيت الأبيض دولاً مختلفة لمناقشة كيفية معالجة الأزمة الإنسانية في غزة. وفي حزيران (يونيو) 2019، عمدت إلى جمع جهات فاعلة مختلفة في البحرين لمناقشة سبل تعزيز الاقتصاد الفلسطيني. وفي الفترة ما بين هذين الحدَثين، في شباط (فبراير) 2019، عقدت الولايات المتحدة مؤتمراً في وارسو لمناقشة مسائل الأمن الإقليمي، والذي تركز في معظمه على القضية الإيرانية.
لم يشارك الفلسطينيون في أي من هذه الأحداث، في حين أن الأوروبيين شدوا على أسنانهم من الغيظ وأرسلوا في معظم الأحيان مندوبين منخفضي المستوى. وحضر العالم العربي، ممثلاً ببعض الدول، تلك الاجتماعات التي عُقدت حول القضية الفلسطينية، فيما جاء إلى حد كبير بسبب الضغط الأميركي. وكانت ورشة البحرين أول حدث من هذا النوع والذي يخلو من أي تمثيل إسرائيلي رسمي، على الرغم من رغبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في التقاط صور لنفسه أو لواحد من كبار وزرائه مع القادة العرب قبل انتخابات 17 أيلول (سبتمبر). وباختصار، أثبتت محاولات الولايات المتحدة تجاوز الفلسطينيين بعقد مؤتمرات دولية لتشجيع تحقيق انفراج رسمي في العلاقات الإسرائيلية-العربية فشلها حتى الآن.
• تصريحات وتغريدات: من وقت لآخر، يعلن الرئيس ترامب ومبعوثوه مكونات مختلفة من الخطة الأميركية ونهجها في حل النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ولعل ما تجدر ملاحظته بشكل خاص تعليق ترامب الأولي الذي قال فيه إنه لا يهتم بما إذا كان الحل هو دولة واحدة أو دولتين. وبعد ذلك، أكد جماعته مجدداً أنهم لا يعتزمون التعبير عن دعمهم لحل الدولتين، وحثوا على إزالة القضايا الأساسية للنزاع (مثل وضع القدس وحق عودة اللاجئين) عن الطاولة. وانتقد المسؤولون الأميركيون مبادرة السلام العربية، التي زعموا أنها فشلت في إحلال السلام، وبالتالي لم تعد ذات صلة -حتى أنهم عبروا مؤخراً عن تأييدهم لحق إسرائيل في ضم الأراضي الفلسطينية. وفي الوقت نفسه، قام المبعوثون الأميركيون أيضاً بتغريد تصريحات تدحض الإشاعات بأن خطة ترامب ستقوض السيادة أو المصالح الأردنية والمصرية. وترسم كل هذه النقاط صورة واضحة للاتجاه الذي تتجه إليه إدارة ترامب، حتى لو أنها لم تنشر خطتها.
• إجراءات مغيِّرة لللعبة: بالإضافة إلى بياناتها وتصريحاتها، أرسلت إجراءات الإدارة أيضاً رسالة واضحة. وشملت هذه الإجراءات اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل؛ وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن؛ ونقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس؛ وإغلاق القنصلية الأميركية في القدس الشرقية وإلحاقها بالسفارة الأميركية. وتشمل الخطوات الأخرى التي تتحدث عن الخطة بالمقدار نفسه، الزيارات الرسمية الأولى التي قام بها السفير الأميركي للمستوطنات؛ والتخفيضات في تمويل المشروعات الإسرائيلية-الفلسطينية الممولة من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، وفي ميزانيات الأونروا والمؤسسات الفلسطينية. وتشير هذه الإجراءات أيضاً إلى خطة محددة بوضوح للعبة، والتي تتعارض مع سياسة الولايات المتحدة القديمة ومع وجهات النظر المقبولة للمجتمع الدولي. كما يُنظر إليها على نطاق أوسع أيضاً على أنها انحراف عن القانون الدولي، مما يولد الغضب تجاه الولايات المتحدة ويقوض قدرتها على العمل كوسيط نزيه.
• إضعاف القادة الفلسطينيين وتقوية نتنياهو: استثمرت إدارة ترامب الكثير من الوقت والطاقة في تشويه صورة قادة السلطة الفلسطينية. وسواء كان ذلك يهدف إلى الضغط على الفلسطينيين للانخراط في خطة ترامب، أو أنه كان محاولة لتكوين قيادة فلسطينية بديلة، فإنه فشل حتى الآن. وقد اتهم المبعوثون الأميركيون القادة الفلسطينيين بأنهم مجموعة من الرفضويين التسلسليين، وبأنهم يدعمون الإرهاب، ويلحقون الضرر بمصالح شعبهم. وكتبوا مقالات رأي ضدهم، واشتبكوا معهم على "تويتر"، وحجبوا تأشيرة دخول الولايات المتحدة عن حنان عشراوي، المفاوضة الفلسطينية المخضرمة. بل إن الإدارة الأميركية لم توجه الدعوة إلى السلطة الفلسطينية لحضور ورشة البحرين. وكل هذا يتناقض بشكل حاد مع اعتناق الإدارة المعلن والحار لنتنياهو، بما في ذلك التنسيق المستمر معه ومع جماعته -وعلى رأسهم سفير إسرائيل في واشنطن- من أجل حشد الدعم لإعادة انتخابه، بالإضافة إلى التدخل الأخير في جهوده لتشكيل حكومة جديدة.
إذا ما أُخِذت جميعاً معاً، تُظهر هذه التصريحات والإجراءات الأميركية خلال العامين الماضيين أن ورشة البحرين لم تكن هي الصفقة الحقيقية، وأنها كانت، بدلاً من ذلك، مجرد قمة جبل الجليد.
لقد جعلت سياسة إدارة ترامب آفاق السلام الإسرائيلي-الفلسطيني بعيدة. كما أنها تتعارض مع الخطوط العريضة لأي اتفاق سلام في المستقبل، والذي دعمته غالبية من الإسرائيليين والفلسطينيين في السنوات الأخيرة. وهي تضعف وتنزع الشرعية عن قيادة فلسطينية معتدلة ملتزمة بالمفاوضات وتعارض الإرهاب. وهي تضع العقبات في طريق التقدم نحو حل الدولتين، وتستبعد العناصر الدولية الهامة التي يمكن أن تسهم في تقدم السلام. وأخيراً، تزيد هذه السياسة من انفصال الإسرائيليين عن الفلسطينيين، وبطريقة تجعل الأمور أكثر صعوبة على أولئك من بينهم الذين ما يزالون يريدون الالتقاء والتعاون، بينما تقدم العون لأنصار ضم الأراضي الفلسطينية في الساحة السياسية الإسرائيلية.
في حين تنظر إسرائيل إلى ترامب على أنه صديق عظيم، فإن تحركات إدارته بشأن القضية الإسرائيلية-الفلسطينية لا تؤدي إلا إلى الإضرار بالمصالح الإسرائيلية في السعي إلى تحقيق السلام. ويجب على الإسرائيليين الذين يتطلعون إلى تعزيز السلام مع الفلسطينيين اتخاذ موقف ضدها، على الرغم من صعوبة مواجهة أقوى حلفاء إسرائيل. ومثلما تنتقد شخصيات بارزة في الحزب الديمقراطي الأميركي سياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين عند الضرورة، كذلك يجب أن يفعل أعضاء المعارضة الإسرائيلية عندما تُلحق كلمات الرئيس الأميركي وأفعاله الضرر باحتمالات السلام وآفاقه.

*مؤسس ورئيس "ميتفيم" Mitvim -المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية.
وهو زميل تدريس في دراسات الشرق الأوسط في الجامعة العبرية في القدس.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Bahrain workshop and the dwindling prospects for Israeli-Palestinian peace under Trump