وسائل الإعلام اليمينية

معاريف - ياعيل باز ميلاميد

قال محرر "هآرتس" دوف الفون في مؤتمر إيلات للصحافة والذي انعقد الاسبوع الماضي، إن وسائل الاعلام باتت يمينية اكثر فأكثر، معربا بذلك عما يشعر به كل من فكره يقع في الوسط – اليسار.

اضافة اعلان

لو احتجنا الى مثال ملموس على هذه الاقوال، فإنه يقدم لنا على نحو كبير؛ في التغطية الاعلامية، في سلوك المستوطنين، في موضوع توزيع اوامر التجميد للبناء في المستوطنات.

من يستمع الى الراديو، أو يشاهد التلفزيون ويقرأ معظم الصحف الكبرى (باستثناء "هآرتس") يمكنه أن يظن خطأ بأن الحديث يدور عن مجموعة من الاولياء، الذين يدافعون عن بيتنا جميعا في وجه عصابة خارقي قانون يقف على رأسهم وزير الدفاع ايهود باراك. والمرة تلو الاخرى نجد انفسنا عرضة لتصريحات نارية مفعمة بإيمان المخلصين لارض اسرائيل الكاملة ممن يروون لنا كيف يسلبون منهم حقهم الطبيعي في اقامة بيوت جديدة لابنائهم وبناتهم الذين كل ما يريدونه هو ان يزيدوا الاستيطان اليهودي في يهودا والسامرة.

غير أن الانذال يأتون وهم يحملون اوامر التجميد، والتي هي حتى غير قانونية على حد قولهم، ليشوشوا خطتهم لتعزيز الصهيونية الجديدة.

في معظم المقابلات الصحافية التي تمت مع رؤساء المجالس في المستوطنات ومع اعضاء قيادة "يشع"، القليل منها فقط واجهتهم بافعالهم الخطيرة التي تقترب بقدر كبير من العصيان المدني ضد حكم القانون واشاعة الفوضى في نطاق الضفة.  عمليا، لا يجري أي بحث جماهيري حول خطورة افعال رؤساء مجالس مثل آفي نعيم من بيت آريه وآخرين. فاذا كان هناك شيء يهدد "بيتنا" جميعنا فإنه بلا شك القبول والعطف من جانب معظم وسائل الاعلام لعنف الموظفين في الخدمة العامة ضد قرار قانوني للمؤسسة التي يتلقون منها رواتبهم.

الحقائق معروفة وواضحة للجميع: المجلس الوزاري الموسع قرر بأغلبية الاصوات تجميد البناء في المستوطنات على مدى عشرة اشهر. في هذا المجلس يجلس يمينيون واضحون، مثل بيني بيغن وبوغي يعلون صوتوا هم ايضا مع خطوة نتنياهو وباراك. ليس انطلاقا من محبة الفلسطينيين ولا حتى انطلاقا من التفكير بتسوية مستقبلية شاملة، بل انطلاقا من الفهم بأن المصلحة العليا لدولة اسرائيل في هذه اللحظة هي الصراع ضد السلاح النووي لايران، ولهذا الغرض فواجب علينا قبول جزء من املاءات الادارة الاميركية.

من اللحظة التي اتخذ فيها القرار استغرق اصدار وزارة الدفاع لاوامر التجميد أربعة ايام لينطلق بعدها مراقبو الادارة المدنية في الضفة نحو رؤساء المجالس للتبليغ.

من هنا فصاعدا بدت مشاهد ما كانت يمكن لاي دولة ديمقراطية تقوم على اساس سمو القانون ان تقبل بها: مزق رؤساء المجالس الأمر واحدا تلو الآخر، وأمام عدسات التلفزيون ولم ينبس احد هنا بحرف. المراسلون المختلفون سألوهم اذا كانوا يعتزمون التصعيد، فتحدثوا بحماسة عن خراب البيت الثالث وعن انهم في واقع الامر يحمون تل أبيب وحيفا، متعهدين بالمزيد من اعمال العنف اذا لم تتوقف مسيرة اوامر التجميد.

 آفي نعيم تحول بين ليلة وضحاها من خارق للقانون الى رجل مبادىء جسور مستعد لان يمكث في السجن من أجل معتقده. مواقع الانترنت تدعو الجمهور الى تصفح التقارير الميدانية التي تعرض المظاهرات والعنف وكأن هذا برنامج "الاخ الاكبر" التلفزيوني، وفي مسيرة الذين تجرى معهم المقابلات غاب اولئك الذين يفهمون بانه اذا ما استسلم هذه المرة ايهود باراك للعنف فلن تكون هناك أي اهمية لقرارات الحكومة.

      نهاية المطاف منذ سنوات عديدة والمستوطنون ينتصرون بالضربة القاضية. لكن هذه المرة النصر كان برعاية وسائل الاعلام.