وسائل التردي الاجتماعي !!

لم يعد هناك أحد بمنأى عن الأذى من وسائل التواصل الاجتماعي، وقد اصبح الوجه الآخر لها هو التنابذ والتحامل والتشاتم وتعميم أسوأ ما لدى الأفراد والمجتمع من صفات. وقد كانت المواقع الاعلامية الالكترونية مصدر صداع للسلطات وشكوى من المسؤولين لكن مع اكتساح وسائل تواصل ونشر متاحة للعموم فقد أصبح الجميع في نفس السلة، وقد لا يكون هناك شخص إلا طاله شيء من الأذى.   اضافة اعلان
قانون الجرائم الالكترونية ظهر لأسباب تتعلق بالاقتصاد الذي شهد تحولا واسعا نحو المعاملات الالكترونية وما يصاحبها من جرائم خاصّة بهذا النوع من المعاملات، لكنه عرّج على النشر الاعلامي مجرّما النيل من سمعة الآخرين وتوجيه الاتهامات غير المثبتة بالفساد، وقد وقفنا ضد هذا البند خوفا على حرية التعبير وخوفا من تقييد دور الإعلام في مكافحة وفضح الفساد.
لكن الأمور تغيرت واتسعت مع  وسائل التواصل الاجتماعي وأصبحت هناك مشكلة حقيقية في التخاطب الاجتماعي والعلاقات بين الناس، وشخصيا كنت دائما أتفاجأ بأسلوب غير معهود بين الأردنيين في مخاطبة الغير ببذاءة ووقاحة وتطاول شخصي غير جائز وغير معهود في العلاقة المباشرة بين الناس وكأن وسائل التواصل توفر ساترا للبعض يمارس من ورائه الاحقاد والعدوانية وقلة الأدب. 
حين انتشرت المواقع الالكترونية سعدنا بهذا الإعلام التفاعلي حيث الناس تستطيع ان تقرأ وتتابع بطريقة أسرع وتستطيع ان تعلق وتبدي الرأي وتناقش فورا ما ينشر، لكن التعليقات مع الاسف لم تكن تذهب – غالبا –لإبداء الرأي في الموضوع بل في الشخص، والشخصنة تطيح بصورة مؤسفة بكل قيمة للحوار، وتطيح أيضا بالمستوى الاخلاقي العام، ورغم ذلك وقفنا ضد تعديلات في قانون المطبوعات تخص النشر الالكتروني وتجرّم التعليقات بوصفها جزءا من المادة الصحفية خوفا – مرة أخرى – على حرية التعبير.
لكن مع وسائل التواصل الاجتماعي لم يعد الأمر يتعلق بالمسؤولين بل بعموم الناس، وقد ذابت الحدود تقريبا بين المنابر الصحفية والإعلامية والحسابات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي وذابت الحدود بين الصحفيين والمدونين والمواطنين النشطاء حتى إن بعض المنابر أو الحسابات باتت اهم من مواقع صحفية الكترونية. وهكذا فالقيود والاشتراطات التي تم وضعها قبل عقد على الصحافة الالكترونية الجديدة تقادمت وتجاوزها الواقع الاعلامي الذي تمدد داخل الفضاء الالكتروني ويستمر بالتوسع الى مديات غير متخيلة.
الفضاء الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي باتا نعمة ونقمة في آن واحد وفي مجالات مختلفة. صارا حيّزا عظيما للمعرفة والاتصال وأيضا حيزا للتردي الثقافي والاجتماعي. وقد وفرا مساحات جديدة للتنابذ والاعتداء وتفريغ الأحقاد والاساءات، ويقوم البعض بنوايا سيئة بانشاء حسابات زائفة ليستمتع بنهش اعراض الناس والاساءة اليهم يمينا وشمالا هذا عدا عن الاستخدام الخطير لوسائل التواصل لنشر خطاب التطرف والكراهية في المجتمع.
هناك معضلة تتكرر في كل بلد تقريبا وهي كيفية تمكين القانون من حماية الناس وحماية حرية التعبير في نفس الوقت، وسنجد انفسنا ازاء سجال دقيق حول النصوص في مشروع القانون المعدل، ومن حيث المبدأ لا بد من تشديد العقوبات وتوضيح أفضل لما يعتبر جرائم وتجاوزات. ويجب ان يوصل القانون رسالة للناس تساعد على نشر ثقافة المسؤولية في استخدام وسائل التواصل، ومكافحة التدهور القيمي والأخلاقي. وقد قال لي شيئا بهذا المعنى دولة رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز وهو يفسر لي إقدامه ولأول مرة هذا الاسبوع على تقديم شكوى بحق ما يصل الى مائة اسم نشروا تعليقات شخصية مسيئة على ندوته الأخيرة.