وسائل التواصل الاجتماعي وتغير قواعد اللعبة

خالد دلال انتهت أخيرا حقبة أربع سنوات من رئاسة دونالد ترامب المثيرة للجدل للولايات المتحدة الأميركية، بكل التناقضات التي حملتها في الداخل الأميركي أو حتى عالميا. لكن يبقى ما حدث في السادس من هذا الشهر، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكونغرس الأميركي، بشكل غوغائي، لوقف جلسة مشتركة للمصادقة على فوز مترشح الحزب الديمقراطي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية الأميركية، علامة فارقة في تاريخ تلك الحقبة، والمنعطف الأهم الذي قد يؤدي إلى تغير قواعد اللعبة بالنسبة لكبرى شركات التواصل الاجتماعي في العالم، من فيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب وسناب شات وغيرها، وما هو متوقع منها لجهة إعادة النظر بأنظمتها وقوانينها الخاصة بعملية النشر حماية للسلم الأهلي من قيام البعض باستغلال منصاتها، كأدوات للتأجيج والتحشيد والتحريض على العنف ضد القانون ومؤسساته. وهذا ما يعتقد الكثيرون أن ترامب قد وقع فيه بخطاباته الشعبوية الاستقطابية في آخر أيامه، وباستغلاله لوسائل التواصل سريعة الانتشار لتحقيق ذلك. لكن يبقى تعاطي الشركات العالمية التي تدير شبكات التواصل الاجتماعي مع هذا الأمر، في ظل تغنيها بحقوق الأفراد الديمقراطية في التعبير عن وجهة نظرهم، السؤال الأهم في المعادلة ككل. وهذا يطرح جدلية حرية التعبير عن الرأي على الإطلاق، وأثر ذلك في تهديد الصالح العام للدول وأمنها واستقرارها. ما حدث سيمنح بالتأكيد الفرصة لدول كثيرة بالاستشهاد بحادثة الكونغرس الأميركي، إذا ما لزم الأمر، لتقييد حرية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا أن العديد من الحكومات في منطقتنا العربية، على سبيل المثال، ما تزال تذكر كيف لعب الإعلام الاجتماعي دورا كبيرا في تحريك الشارع إبان الربيع العربي، والذي تحول إلى خريف مظلم قبل عقد من الزمن. بل إن البعض رأى فيه سببا في سقوط أنظمة في العالم العربي. أيا كان مسار الحديث، فالمعضلة الأساسية تكمن في كيفية تعديل قوانين وأنظمة النشر في وسائط التواصل الاجتماعي والتي، كما يرى الخبراء، من الصعب إخضاعها للقوانين الناظمة للإعلام التقليدي من تلفاز وإذاعة وصحف وحتى مواقع إخبارية إلكترونية، وكلها تخضع لسياسات تحريرية مهنية في النهاية، بعكس السوشال ميديا. أي بمعنى آخر أن وسائل التواصل الاجتماعي تحظى بقبول واستخدام ملايين البشر لأنها تخضع عالميا للقانون الخاص، وليس العام، وبالتالي فهي تشكل منفذا للأفراد للتعبير عن رأيهم بمعزل عن قوانين الدول التي يعيشون فيها. وعليه، فإن شمولها بالقانون العام سيولد وببساطة هجرة ملايين المستخدمين بلا رجعة، وبالتالي خسارة الشركات للمبدأ الذي قامت عليه، وحصدت من خلاله بلايين إن لم تكن تريليونات الدولارات. وفي ضوء ما تقدم، فمن المتوقع أن تستعر المعركة، والتي بدأت قبل سنوات، بين شركات التواصل الاجتماعي والكثير من حكومات العالم، وستعمل كل جهة على تغليب مصالحها. لنأخذ مثلا اشتراط بعض الدول في المنطقة العام الماضي أن تلتزم شركات التواصل الاجتماعي بمطالبها إن رغبت في شطب محتوى إذا كان عدد المستخدمين يزيد على مليون شخص. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل طالبت بعضها بحفظ بيانات المستخدمين لديها! وهذه فقط بعض النماذج لما يمكن أن يحدث تحت بند محاربة الجرائم الإلكترونية وخطابات الكراهية والأخبار الزائفة. قد يكمن الحل الأمثل في تعاون شركات التواصل الاجتماعي بشكل جماعي ومؤسسي واستباقي لتطبيق مبدا التنظيم الرقابي الذاتي المدعوم بأنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على بيان المحتوى، من خلال تحليل واستقراء علمي سريع للبيانات على اختلافها، وتحديد ماهية ما يصلح للنشر وما لا يصلح وفق مدونة الاستخدام الأمثل والسلوك المسؤول بحيث تضمن حرية التعبير للأفراد مع عدم المساس بثوابت القانون. وإذا نجح الأمر، فسيكون الذكاء الاصطناعي، وكما توقع العالم البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ، قبل وفاته، قد تغلب على الذكاء البشري، لكن هذه المرة في تنظيم العلاقات الإنسانية في كوكب يعيش فوضى معلوماتية، وتتضارب فيه قوى الخير والشر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.اضافة اعلان