وسائل تمويلية مبتكرة "المصرفية الإيجابية"

غسان الطالب*

انسجاما مع دعوات العديد من الباحثين والمهتمين بالصناعة المصرفية الإسلامية بالتوجه الى الابتكار وتطوير الأفكار والفلسفة القائمة عليها، ظهر مصطلح ما يسمى بـ"المصرفية الإيجابية"، وهذا منسجم تماما مع رغبة هذه الصناعة في امتلاك القدرة على التقدم وتحقيق التنافسية مع المؤسسات المالية غير الإسلامية، لهذا فإن فكرة المصرفية الإيجابية تقترن مع الإبداع، والمقصود بالإبداع هنا وكما عرفته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD)، "بأنه مجموع الخطوات العلمية والتقنية والتجارية والمالية اللازمة لنجاح وتطوير وتسويق منتجات صناعية جديدة أو محسنة والاستخدام التجاري لأساليب وعمليات أو معدات جديدة أو محسنة أو إدخال طريقة جديدة في الخدمة الاجتماعية"، وهذا منسجم تماما مع ما نصبو إليه من تطوير أداء المصرفية الإسلامية بإدخال وسائل تمويلية مبتكرة تحقق حلولا تمويلية لعملائها، تنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية.اضافة اعلان
قد تكون فكرة المصرفية الإيجابية مناسبة لتحفيز القطاعات الاقتصادية كافة وتحسين أدائها وهي مناسبة للتطبيق خاصة في اقتصاديات الدول النامية أو التي هي في طور النمو المعتمدة على المشاريع الصغيرة أو المتوسطة والتي يصعب عليها أحيانا الحصول على التمويل اللازم من المؤسسات المالية والبنوك.
إذا ما هي المصرفية الإيجابية؟ هي تمويل مصرفي تقوم بموجبه المنشأة الإنتاجية بغض النظر عن طبيعة نشاطها شريطة ألا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، وذلك بوضع وديعة دائمة في الحساب الجاري، يحدد حجمها المصرف تكون بمثابة الضمان حتى يُتاح لعملاء المنشأة الحصول على تمويل لشراء منتجات هذه المنشأة وبدون فوائد ويقتصر هذا التمويل فقط لشراء منتجاتها، ففي هذه الحالة فإن العائد المادي سيتحقق لجميع الأطراف، فالمنشأة ستكون لها فرصة مناسبة لزيادة مبيعاتها والبنك يحصل على العائد من قيمة التمويل الممنوح، إضافة الى المكاسب المادية التي يحققها من الوديعة الضمان لديه، ثم حصول العميل على السلعة التي يبحث عنها.
ما يميز المصرفية الإيجابية هو أن مخاطرها قليلة وذلك من خلال تقاسم المنشأة صاحبة الوديعة مع البنك مخاطر عملائهم المقترضين، ويمكننا القول إنها أقل من المصرفية التقليدية؛ أي المخاطرة، وإن العائد الذي يحصل عليه البنك يأتي من صاحب الوديعة، وهو هنا المنشأة الإنتاجية، كما أنها تسهم في زيادة النشاط الاقتصادي من خلال تلبية الطلب على التمويل وتوظيف السيولة لدى المصرف وتحد من هجرتها للخارج بحثا عن فرص استثمار لها خارج اقتصاداتها الوطنية.
وهنا لا بد من التنويه إلى أن المصرفية الإيجابية كمبتكر مالي جديد لا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية وفلسفتها المالية وأنها تختلف كليا عن العمليات المصرفية التقليدة القائمة أساسا على مبدأ الإقراض والاقتراض على أساس سعر الفائدة، لا بل هو منتج مالي إسلامي مبتكر مبني على أساس المشاركة بين المودع والمصرف في تحمل المخاطرة، وهو نابع من فرضية تعامل المصارف الإسلامية مع أصول حقيقية في اقتصاد حقيقي.
نتمنى من مصارفنا الإسلامية بذل المزيد من الجهد لمواصلة الابتكار لمنتجات مالية وتطوير الموجود منها كي تلبي حاجة عملائها التمويلية، والتوجه لدعم البحث العلمي في هذا المجال ليستمر تطور وأداء الصناعة المصرفية الإسلامية، وتحقيق المزيد من المكاسب في الأسواق المالية العالمية.
*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي