وسِّعوا السّاحة والساحة لينا..

بعد دوار الداخلية، والدوار الرابع، سَيَّجت أمانة العاصمة -بدعوى احتجاج المُجاورين على الفوضى التي تُحدثها الاحتجاجات- ساحةً جديدةً في عمان، كانت تُستغل من قبل مواطنين للاحتجاج قرب سفارة دولة الاحتلال.اضافة اعلان
التَّجمع والتّظاهر حقّ دستوريّ للمواطنين، كفله الدستور الأردني، على أن يُمارس وِفْقَ أحكام القانون. والقانون هنا يجب أن يُنظم هذا الحق، وتنظيمُه لا يجوز أن يَصل لحد تقييده، كما لا يجوز أن يُهدد القانون المُنظم لحقّ التظاهر أساسيات هذا الحق تطبيقاً للمادة 128 من الدستور التي تحظر أن يصدر قانون يقيّد حقوق الأردنيين وحرياتهم كما وردت في الدستور.
وفي هذا الصّدد، فقد فَرَض قانون الاجتماعات العامة على مُنظمي المسيرة، إشعار المحافظ عن مسيرتهم قبل انطلاقها بثمانٍ وأربعين ساعة على الأقل. ومن المُهم الإشارة إلى أن القانون اشترط إشعار المحافظ وليس موافقته!
الأصل أن تُؤمِّن الدولة تَيْسير حق التّظاهر ومُظاهرات المواطنين، وأن َتسهر الأجهزة الأمنية جميعها على تأمين المُظاهرات ومسيرات المواطن واحتجاجاته. والواقع العملي يشير إلى أن قوات الأمن بالذّات لا تتدخل في أيّ تظاهرةٍ طالما بقيت سلمية ولم تتعدّ على قانون، وحصل وبفخر أن وزّعت قوات الأمن الماء والمشروبات على المتظاهرين.
وبالطبع، مرفوضٌ أن يُرمى دَرَكِيٌّ بحجر، ومن غير المقبول وبحجّة التظاهر أن تَصْطف السيارات في مكان غير مسموح، ومن غير المسموح أن تُعَرقل المسيرات رِزق الناس ووصولهم لعملهم أو مقاصدهم، ومن غيرالنّضج السياسي اعتقاد أيّ شخص أن الدولة ستسمح بأن تُهاجم سفارةٌ أو تُحرق، فإن هذا ليس دفاعاً عن السفارة بِقدر ما هو دفاعٌ عن سيادة وأمن الدولة.
ولكن أيضاً، ليس من الحكمة السياسية أن نستمر بتَسييج الساحات التي يخرج فيها الناس، والطرق التي يسلكونها، بقصد محاصرة حَقّهم في التظاهر. وليس من الكياسة السياسية أن نسجن شابّاً مُتحمساً ما لم يخالف القانون، فمصلحة الوطن والمواطن أن لا تُكْتَمَ أصوات الشباب، وأن لا نَتَشنّج في التعامل معهم، خاصّة أن الأردن اختار طريق الإصلاح قبل "الربيع العربي"، ذلك "الربيع" الذي انفجر بسبب موقف مُتشنّج من موظّف عام.
في الدولة، كما في القطاع المدني، فئةٌ لا تُصدق للآن أن الأحكام العرفية انتهت، وأن الأردن في موقع مختلف بخصوص الحقوق والحريات السياسية لمواطنيه، ولهذا تَتَوتّر تلك الفئة من موظفي الدولة من أيّ ممارسةٍ تُعبّر عن حرية المواطنين ومشاركتهم العامة السياسية، وتعتبر أن سلوك المواطن بالاحتجاج تهديدٌ وجوديٌّ لها. كما أن هناك فئة قليلة من الناس تخرج للتظاهر وفي عقيدتها أن الدولة عَدُوّة لها، وأن صراعها مع الدولة ذاتها وأن خروجها في التظاهرة خروج على الدولة وليس نُصرةً للقضية التي يخرجون من أجلها.
أحب أن أقول للطرفين: "فَتحُوا"، فإن الحفاظ على الأردن اليوم يكون بالتّمسك بحقوق الأردنيين وحُرياتهم، وليس بقَمعهم وتَكميم أفواههم. كما نقول للبعض: إن نُصرة أيّ قضيةٍ في الدنيا لا تُؤهل مواطناً ما ليعتدي على القانون وعلى غيره من المواطنين الذين لا يُشاركونه الرأي، وطبعاً لا تؤهله للاعتداء على دَرَكِيّ أو رجل أمنٍ أو موظفٍ عام؛ هذا ممنوع مرفوضٌ ومدان.
كما أقول للحكومة وأجهزتها، وبسندٍ من الدستور، ومن موقع الحِفاظ على الأردن وأمنِهِ، ومن موقع سلطة الشعب: وَسِّعوا الساحات، فإن المواطنين الأردنيين في جُلِّهم يخافون على وطنهم مثلكم، وأن ممارستهم حقّهم في التّجمع والاحتجاج السّلمي القانوني، مُهمٌ لرقابة الحكومة، وهو طريقٌ حضاريّة لتوصيل الحكومات صَوْتَهم ورأيَهم العام. أكثر من ذلك، فإنّ رأي الشعب ورقة تفاوض للحكومات تستعملها لتدعم توجهاتها الدولية وتبرر مواقفها السياسية.
نعم، وسِّعوا السّاحة، بل زَيِّنوا الساحة لينا، وللأردن الحُر الديمقراطي المدني الحضاري.. وسِّعوا السّاحة، الساحة لينا.