وصفة الفشل للدول، والثورات..!

علاء الدين أبو زينة في الوطن العربي الآن، ثمة دول فاشلة بوضوح وأخرى جالسة على احتمال الفشل. والعامل المشترك بين هذه الدول هو استنفار أي فروقات وهويات فرعية وتأجيجها إلى حد يتعذر معه الاتفاق. في العراق، أجج الاحتلال الأميركي قسمة سني/ شيعي بطريقة حولت البلد إلى جحيم من الاشتباكات التي كسرت الروح الوطنية وحطمت المقدّرات المادية. ويرى مراقبون مهمون أن احتلال العراق كان المكان الذي خرج منه الصراع الإقليمي المدمر الآن بين العرب وإيران على أساس قسمة سني/ شيعي. وفي اليمن، تحول صراع كان يدور في الأصل حول الفقر والحقوق إلى سني/ شيعي. وفي سورية، تحول خلاف على الحريات السياسية والفساد إلى علوي (شيعي)/ سني، وكردي/ عربي. وفي لبنان، سني/ شيعي/ كاثولوكي/ ماروني/ أرمني/ اشتراكي/ عوني/ قواتي/ كتائبي. وفي ليبيا، شرقي/ غربي/ قبائلي/ إسلامي/ علماني. وفي البحرين، سني/ شيعي. والجزائر سابقاً، إسلامي/ علماني… وهكذا. في كل هذه الصراعات، عمل المواطنون اليائسون الذي سيقوا إلى هذه الصراعات ضد أوطانهم ومصالحهم وأرواحهم نفسها. وكما يبدو، لا يستطيع أي شيء أرضي أو منطقي أن يخرجهم من هذا الفخ القاتل. ويبدو تحقيق المصالحات الوطنية قريباً من المستحيل – أو يتمكن فصيل من إخضاع البقية بالقوة، وبالتالي الاستئثار بالامتيازات وحرمان البقية، لتظل إمكانية تجدد الصراع قائمة والروح الوطنية مريضة. عندما تُذكر «المصالحة» تُذكر فلسطين، التي يرد هذا الكلمة في أخبارها منذ عقود. وليست المسألة في فلسطين المستعمَرة بالضبط مسألة إيديولوجية أو طوائف بقدر ما هي خلاف أساسي على الاستراتيجية والتكتيكات وتعريف الأساسيات. في فلسطين، ليست الصراع – أو لا ينبغي أن يكون- على السلطة. ليس ثمة «سلطة» في بلد مُستعمر. ولعل تسمية «السلطة الفلسطينية» هي أكبر خديعة تعرض لها الفلسطينيون الذين اشتروا هذا الوهم. كان ينبغي أن يظل العنوان، التنافس على «قيادة حركة التحرر الوطنية/ الثورة على الاستعمار». وهناك فرق كبير. فقيادة حركة تحرر ضد استعمار غاشم تعني العناء، والمسؤولية، والتعرض المستمر للاستهداف، والبحث عن كل الطرق لإيقاع الأذى بالعدو وإدامة المقاومة والمقاومين. بينما «السلطة» تعني السيطرة على شعب ومصادرة رأيه، وإدارة مؤسسات، أهمها «الأمنية» في الحالة الفلسطينية، وتحمل المسؤولية الاقتصادية عن شعب محتل –والأهم، تأمين قبول العدو وأنصاره كشرط مسبق لوجود هذه «السلطة»، وهو ما يتحقق إلا إذا خدمه وجودها وراق له. إذا حدث خلاف أفضى إلى قسمة أساسية تستوجب «مصالحة» متعذرة في حركة تحرر وطني، فإنها تكون محكومة بالفشل. وكما تعمل قوى الهيمنة على استدعاء الاختلافات في الدول لابتزازها وإنهاكها وإحكام السيطرة عليها، فكذلك عمل المستعمرون، تاريخياً، على إحباط ثورات التحرر بالتقسيم، مسترشدين بالمبدأ الذهبي «فرق تسُد». والآن، تعرض الخبرة الفلسطينية، منذ «الفصائل» وحتى فتح/ حماس أوضح حالة غباء وطني وذهاب أعمى إلى مصيدة العدو الذي لا تخفى مصلحته في الصراع الذي يقوض القضية الوطنية. كان الانتصار المهم للعدو الصهيوني، الذي فشل في إلغاء الهوية الفلسطينية وإخراج الفلسطينيين من الوجود والتاريخ، هو صنع هذا الاستقطاب الفلسطيني حول التعريفات الأساسية لعناصر القضية الوطنية. وتحقق ذلك بتحريض العبث بما كانت «الثوابت الوطنية الفلسطينية». وإذا لم تعد ثمة ثوابت يعرّفها الحق والتاريخ ويتفق عليها شعب، فليس ثمة قضية قابلة للكسب. لا يمكن أن يأتي مُدّعون ليطالبوا بحق مشترك مغتصب، فيقول أحدهم إن ما سُرق هو مائة دينار، ويقول الآخر بل مئتان، ويقول الثالث بل هي ألف. سوف يخسرون المصداقية، وسوف يزدريهم القضاة، وسوف يشعر بعضهم بأن زميله يتواطأ في سرقة حقه بالتنازل عن حصته نيابة عنه. لن يقبل الذي فقد ألفاً بأن يطالب صاحبه بمائة ويقول هذا حقنا لا غير. سوف يخسر الجميع ولن يطالوا ديناراً واحداً. الخلاف المؤسف الانتحاري بين الفلسطينيين، أصبح على ماهية حقنا الذي نطالب به: ما فلسطين. وهو خلاف على علاقتنا بالمستعمِر: هل هو نقيضنا الوجودي، أم شيء نقبل بوجوده على حسابنا. وما الفلسطيني: من الذي يحق له أن يطالب بحصته من الوطن ويعود إليها ومن يمكِن أن يُلقى في العراء. وما الطريق إلى التحرر الوطني: مصالحة العدو على دمنا، أو مقاومته والعمل على هزيمته. أي وصفة للفشل!

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

اضافة اعلان