وعد ترامب الجديد: دلالة المكان والتاريخ

بنفس التوقيت وبعد أربعين عاما من توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في السادس والعشرين من آذار1979، ومن نفس المكان يعلن الرئيس ترامب وعداً جديداً باعتبار الجولان السوري أرضاً خاضعة للسيادة الإسرائيلية في خطوة لا يمكن القفز عن رمزية المكان والتاريخ فيها بالنسبة لنتنياهو بمعزل عن أهميتها لصاحب الوعد ترامب الذي أشاد بنتنياهو وتحدث عنه بقدسية رغم كل تاريخه الاجرامي مع التأكيد على عمق العلاقة الأميركية الإسرائيلية، دون أن ينسى إهداء القلم الذي وقع به لنتنياهو، بينما بقي القلم الذي وقعت به الاتفاقيات الثلاثة السابقة في البيت الأبيض. قرار ترامب الذي يخالف القرارات الدولية لا معنى قانونيا أو سياسيا له ويتناقض مع كل قرارات الإدارات السابقة بما فيها إدارة بيل كلينتون التي ضمنت ما سمي " وديعة رابين" سنة 1994وهو التعهد الذي قدمه اسحق رابين لوزير الخارجية الأميركي آنذاك وارن كريستوفر والذي كاد أن يفضي لإنجاز تسوية سورية إسرائيلية لولا تفاصيل بسيطة تتعلق ببحيرة طبريا وإصرار الرئيس الراحل حافظ الأسد على أن تكون الحدود السورية مشاطئة للبحيرة مع خلاف على تحديد طبيعة العلاقات بعد إنجاز التسوية ورفض وجود محطة إنذار إسرائيلية. لا يمكن التقليل من خطورة القرار الأميركي لكنه بنفس الوقت لن يغير الحقائق على الأرض لا سياسياً ولا جغرافياً ولا سكانياً، القرار يأتي في سياق التوظيف الانتخابي لنتنياهو وهو يخوض معركة انتخابية شرسة؛ ويسعى لشرعنة القرار الأميركي دولياً مستغلاً الانحياز المطلق في ظل هذه الإدارة للمصالح الإسرائيلية؛ إذ تتسرب أخبار عن خطة تطوير للهضبة المحتلة بحيث تكون قادرة على استيعاب ربع مليون مستوطن في سياق تهويد الهضبة وتغيير معالمها السكانية. لم يكن عبثياً توقيت إعلان القرار فهو مناسب وتاريخي، فالدولة السورية منهكة بفعل أزمة دامية ما تزال تعاني من آثارها الكارثية؛ وعزلة عربية مستمرة وتحتاج لسنوات لاستعادة دورها وقدرتها في التأثير؛ بنفس الوقت شكلت ردة الفعل العربي العاجزة عن اتخاذ موقف فاعل ومنتج على سلسلة القرارات الاميركية منذ نقل السفارة الى القدس المحتلة ووقف دعم منظمة غوث اللاجئين الفلسطينيين ووقف التنسيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية أرضية مناسبة للمضي في القرار. لكن بالمقابل هناك كلفة تستطيع سورية وحلفاؤها فرضها على الطرف الإسرائيلي. فهذا القرار سيوحد ما يسمى حلف المقاومة والممانعه ويعزز الوجود الإيراني وحزب الله في سورية باعتبار أن هناك مبررا لوجوده ليس على بعد 80 كم كما نجحت روسيا سابقاً في إبعاد الإيرانيين عن الجولان بل على حدود الجولان مباشرة. ثم أن هذه الخطوة الأميركية لن تكون عاملاً مساعداً في تمرير صفقة القرن التي ترفضها في الأصل الأطراف الفاعلة في المشهد الفلسطيني وهم الفلسطينيون والأردنيون. أيضاً أحرج هذا القرار حلفاء الولايات المتحدة من العرب الساعين لتمرير الصفقة للتفرغ للصراع مع إيران، وكشف المعارضة السورية التي راهنت على إنجاز تسوية مع الإسرائيليين في حال إحداث تغيير سياسي لصالحها في سورية فعلى ماذا سيتفاوضون إذا خرج الجولان من الصراع؟ ربما تكون الخطوة الاميركية تكتيكية تهدف منها دعم نتنياهو ودفع دمشق لتعزيز تحالفها مع طهران على حساب العلاقة مع موسكو كمدخل لإنهاء التحالف الثلاثي (موسكو – طهران-دمشق) في مقدمة لخلط الأوراق في الجنوب السوري من جديد، لأن ملامح الافتراق الروسي الإيراني في الملف السوري تزداد وربما يسعى الأميركان للاستثمار فيه لا سيما وأن التنسيق الروسي الإسرائيلي لم ينقطع ويبدو أن لروسيا حسابات تتناقض مع الشريك الإيراني.اضافة اعلان