وعود "التربية" لزيادة المدارس

منذ سنوات، صرح أكثر من وزير تعاقب على وزارة التربية والتعليم بوجود إشكاليات ضخمة تتعلق بالمباني المدرسية في نواحٍ عديدة وبوجود فجوة كبيرة بين الحاجة وما هو متوفر، لكن هذا الاعتراف لم يؤد إلى حل أو تخفيف هذه المشكلة التي ظلت قائمة وعابرة للحكومات المتعاقبة، بل إنها زادت واتسعت.اضافة اعلان
مشاكل المباني المدرسية تتخذ أشكالا عديدة، أبرزها وأهمها؛ نقص عدد المدارس مقارنة بالاحتياجات العددية والجغرافية، وعدم صلاحية الكثير من الأبنية المدرسية للاستخدام إما لعدم ملاءمتها للعملية التعليمية، أو بسبب تهالك البنى التحتية والفوقية بما يشكل تهديداً على سلامة الطلبة والعاملين في العديد منها، إضافة إلى مشكلة المباني المستأجرة التي تحمّل الوزارة أعباء مالية ضخمة دون أن تلبي المعايير اللازمة في الغالب.
في أواخر العام 2017، وأثناء توليه حقيبة التربية، صرح رئيس الحكومة الحالي د. عمر الرزاز بوجود نقص كبير في أعداد المدارس، وأعلن عن خطة لإنشاء 600 مدرسة خلال الأعوام العشرة القادمة بمعدل 60 مدرسة سنويا.
وبعد قرابة عام على ذلك التصريح، عاد الرزاز ليؤكد على الحاجة لإنشاء هذا العدد سنويا مشيرا إلى أن الوزارة تستطيع الوفاء ببناء 40 مدرسة سنويا، فيما يبقى عجز بتوفير 20 مدرسة.
لا يمكن إنكار قيام التربية بإنشاء عدد من المدارس في أنحاء متفرقة من المملكة خلال الأعوام الأخيرة، لكن ما هو منجز لا يمكن أن يكون موازيا للحاجة الفعلية أو لما تم التعهد به في ظل استمرار مشكلة الاكتظاظ الصفي الذي تشهده معظم مدارس المملكة والآخذ بالازدياد عاما بعد عام.
إضافة لذلك، فإن أمرا يجب ألا يتم إغفاله وهو أن هذه الأرقام المعلن عنها تفهم على أنها حاجة المملكة من مدارس إضافية على ما هو موجود حاليا سواء كان ملكا للوزارة أو مستأجرا.
بالرجوع إلى عدد المدارس الحكومية المدرج في إحصائيات وزارة التربية والتعليم، يتبين بأن عددها العام 2017 بلغ 3791 بينما بلغ العام 2019 وفقا لوزير التربية الأسبق د. وليد المعاني 3856 مدرسة، أي بفارق 65 مدرسة خلال ثلاثة أعوام وبمتوسط 21 مدرسة سنوياً، وبنسبة 50 % من العدد الذي أعلن الرزاز أن الوزارة قادرة على الوفاء به، و 35 % من إجمالي الفجوة، الأمر الذي يستدعي زيادة عدد المدارس المنشأة سنويا لتعويض ما لم يتم الوفاء به.
لكن تحولا ما يبدو أنه أحدث على الخطط، تظهره التصريحات الأخيرة لوزير التربية تيسير النعيمي حول خطة الوزارة لإنهاء ملف المباني المستأجرة والبالغ عددها 777 مدرسة، من خلال إنشاء 50 مدرسة سنويا على مدى الأعوام العشرة القادمة.
النعيمي إذن تحدث عن خطة لإنشاء 50 مدرسة سنويا لاستبدالها بالمستأجرة، بينما تحدث الرزاز قبل أعوام ثلاثة عن خطة لإنشاء 60 مدرسة سنويا لزيادة عدد المدارس الكلي بنحو 600 مدرسة، فهل بمقدور الوزارة أن تلتزم بإنشاء 110 مدارس سنويا، أم أنها اكتفت بما تم تحقيقه حتى الآن على صعيد زيادة العدد العام للمدارس، وتحولت خطتها اليوم باتجاه التخلص من المستأجر منها؟
وإلى جانب ذلك، هل خططت الوزارة لأن تكون مباني مدارسها المستحدثة متسقة مع خطواتها في التحول نحو تعليم حديث بدأته بتغيير المناهج دون أي تهيئة للبيئة المدرسية وبالتحديد أتحدث هنا عن توفر المعايير اللازمة لمتطلبات العملية التعليمية الحديثة في البنى التحتية والفوقية كتوفر المختبرات والمساحات التفاعلية والتجهيز الالكتروني وأدوات ووسائط التعلم المتعددة وغيرها الكثير؟
كل هذه الأسئلة وغيرها تثير القلق حول مدى إمكانية التزام الوزارة بوعودها الكثيرة، ودرجة ارتكاز هذه الوعود على تخطيط ودراسة تكفل ألا تكون هذه الخطوات مجرد وعود في الهواء أو جهود مبعثرة لا تشكل سوى "ترقيع" آني لمشكلات ممتدة وآخذه في التفاقم.