وقفات تأملية في الذات والآخر

د. عامر الحافي

يكاد يجمع أنصار الصراعية العقدية على أن "من ليس معك فهو ضدك". ويتفق هذا التفكير مع ما ذهب اليه الفيلسوف الفرنسي سارتر في قوله: "الجحيم هو الآخرون"، وما قاله توماس هوبز "الانسان ذئب لأخيه الانسان".اضافة اعلان
وفي مقابل هذه الاستعلائية الاقصائية نستحضر قول أرسطو "الإنسان هو كائن اجتماعي بطبعه". فالأصل في الآخر أنه إنسان مهما كانت مساحة الاختلاف، والأصل في الآخر أن يكون طيبا ومسالما. الأخوة الانسانية؛ من ليس ضدك فهو معك.
لم يتحدث القرآن عن الانفتاح تجاه أهل الكتاب كفكرة نظرية أو تسامح استعلائي، وإنما أقام ذلك بسلوك عملي على الأرض من خلال البر والقسط والإحسان.
إن تناظر البشر وتشابههم في نظر الله يجعلهم على صعيد واحد أمام العدالة الإلهية كما في قوله تعالى: "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا"" (النساء 123-124 )
وهذا ما يجب أن يسلكه الإنسان في سياق تعامله مع أخيه الإنسان، فلكل إنسان نصيبه من الضلال والهداية، وكما قال أبو العلاء المعري:
"في كلّ جيلٍ أباطيلٌ يُدانُ بها
فهلْ تَفَرّدَ يَوماً بالهدى جِيل؟".
إن أساس الشر والتمييز يكمن في تقديس الإنسان ذاته وأناه، لأن ذلك يجعله يدور حول نفسه وينغلق عليها. 
لقد أدرك حكماء الصوفية قديما أن النقيض الأعظم والعدو الأكبر لا يكمن في الآخر القابع خارج جدران الذات بقدر ما يتمثل في النفس الكامنة في الداخل، فكل إنسان يحمل في أحشائه ضده ونقيضه، وملامح ذلك الآخر "المرفوض" ليست سوى شيء من معركة يخوضها الصوفي في سبيل بلوغ الوحدة المطلقة. وهكذا فإن التوحش بمعناه العميق لا يقتصر على قتل الآخر وإبادته، وإنما يسبق ذلك توحش الأفكار التي تسلب المغاير والمخالف تلك الخيرية الأصلية الكامنة في كونه إنسانا مكرما منذ البدء.
وقد أكد القران أن الإنسان يبتلى في الآخر ومن خلاله، وأن ذلك الابتلاء يحتاج إلى صبر وثبات. "وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً". (الفرقان:20)
النظر للآخر باعتباره نقيضا وجوديا أو أخلاقيا، ينطوي على نوع من الإبادة  المفاهيمية التي تمهد لاجتثاث حقوق الناس ووجودهم في نهاية المطاف.
على قدر ما نرى في الآخر شيئا من الذات فإننا نستشعر وحدة النوع البشري الذي انبثق من نفس واحدة. وهذا ما نجده في قول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
"النَّاسُ مِنْ جِهَـةِ التَّمْثِيـلِ أَكْفَـاءُ
أَبُـوْهُــمُ آدَمُ والأُمُّ حَـــوَّاءُ
نَفْـسٌ كَنَفْـسٍ وأرواحٌ مُشاكلَـةٌ
وأَعْظُمٌ خُلِقَـتْ فيـها وأعضـاءُ
وإِنَّمـا أُمَّهـاتُ النَّـاسِ أَوْعِيَـةٌ
مُسْتَودعـاتٌ وللأَحْسَـابِ آبـاءُ
فإنْ يَكُنْ لهُمُ مِنْ أَصْلِهـم شَـرَفٌ
يُفاخِـرونَ بـهِ فالطِّيْـنُ والـماءُ".
عندما ندرك أن الآخر هو مرآة تعكس صورة الذات، وهو تلك الـ"أنا" في عيون غيرك. فإننا نكون أكثر تواضعا وإنصافا في أحكامنا المسبقة وتصوراتنا المطلقة.