وقفة مع اقتراب يوم الحسم في الانتخابات

مع اقتراب يوم الحسم للانتخابات البلدية واللامركزية، التي يجري الاقتراع لها يوم الثلاثاء من الأسبوع المقبل، تبدو الصورة التي يرسمها حراك نحو 6 آلاف مرشح ومرشحة باهتا إلى حد كبير، في ظل ما يمكن تلمّسه من فتور في تفاعل الناخبين والرأي العام مع هذا الحراك لأسباب عديدة من جهة، ومن جهة أخرى لطغيان البعد العشائري والمناطقي على عملية التنافس بأغلب البلديات، وتكرار وجوه الكثير من المرشحين ممن سبق وأن قادوا العديد من البلديات، خصوصا الكبرى منها، مخلّفين وراءهم إرثا كبيرا محبطا من الأزمات وضعف الأداء.اضافة اعلان
تكفي جولة واحدة على آخر تقارير ديوان المحاسبة التي تتناول بإسهاب قضايا التجاوزات والاختلالات في عديد البلديات، خصوصا الكبرى منها، لتلمّس ما يمكن أن تثيره بعض الوجوه المكرورة في الانتخابات من إحباط لدى الناخب والرأي العام. كما إن جولة واقعية على أحياء وشوارع مثل هذه البلديات كافية لتقدير حجم الإنجاز والتقصير الذي تحقق في الدورات السابقة لكثير من المرشحين. كل ذلك ينعكس بلا شك في نشر الإحباط والفتور لدى الناخب، وفقدان الأمل بإحداث تغيير ملموس عبر صندوق الانتخاب.
كذلك، فإن قضايا وهموم كثيرة تتقدم أولويات الناس وانشغالاتهم اليوم، ما ينعكس بوضوح على فتور التفاعل مع الانتخابات البلدية واللامركزية، ناهيك عن أن قانوني البلديات واللامركزية، لا يشجعان، كما هو حال قانون الانتخابات لمجلس النواب، على التكتل بين مرشحين وقوائم وفق أسس سياسية وبرامجية، بل ويهيئان البيئة لطغيان الأبعاد العشائرية والشخصية والمناطقية كمحرك أساسي للترشح والإنتخاب.
قد تكون الملاحظة الأبرز عند استعراض صور المرشحين وأسمائهم، هي في وجود أسماء لاحقتها تهم الفساد والتجاوزات والفضائح بصورة واسعة أثناء تولّيها في دورات سابقة رئاسة بعض البلديات الكبرى أو عضوية مجالسها، لكنها نجت من الملاحقة أو الإدانة لأسباب عديدة، ليس هنا مكان تفصيلها، لكن ذلك ترك انطباعا سلبيا ومحبطا لدى شرائح واسعة من الناخبين، بعدم جدوى شعارات الحوكمة وسيادة القانون والتغيير.
لكل ما سبق قد تبدو الصورة محبطة فيما يتعلق بتوقعات نسب المشاركة بالانتخابات المرتقبة، حيث لا تجافي بعض التقارير والاستطلاعات الواقع عند توقعها انخفاض نسبة المشاركة إلى حدود مقلقة.
مع ذلك، وربما لكل الأسباب والعوامل السابقة، يكون من الضروري والملحّ أن يخرج الناخب والناخبة من إحباطه وسلبيته الموصوفة، وأن يبادر الجميع اليوم إلى محاولة تجاوز هذا الواقع الصعب، والتوجه إلى صناديق الاقتراع لانتخاب الأفضل قدر الإمكان، بل وأن يحشد الناس بقوة للتصويت ضد كل من حمل سابقا أمانة المسؤولية وخانها، سواء بارتكاب تجاوزات وفساد، أو بالتقصير الفاضح في معالجة الأزمات المركبة والمستفحلة بالعديد من البلديات.
الإقرار بوجود أسباب وعوامل مفهومة للإحباط والشعور باللّاجدوى من إمكانية التغيير لا يعني الاستكانة لهذا الشعور والتقييم، بل ما هو أولى حث الناس والناخبين على المشاركة بكثافة بالانتخابات، وتحكيم ضمائرهم ومصالحهم العامة، بوجود مجالس بلدية ومجالس محافظات قوية وكفؤة ومؤتمنة على إدارة هذه المجالس وتقديم الخدمات البلدية والعامة بمؤسسية وحرص، بعيدا عن نوازع العشائرية والمناطقية التي علمتنا التجارب الكثيرة أن اعتمادها كمحرك لاختيار المرشحين لم يجلب لنا إلا تجارب بائسة وسيئة، هذا إن لم تكن فاسدة ومفسدة.
ثمة ملفات وقضايا وتحديات كبيرة وخطيرة تواجه البلديات والمحافظات، كلها تحتاج لمجالس كفؤة وذات خبرة، وقادرة على تحمّل المسؤولية بأمانة، وهو ما يلقي على عاتقنا كمواطنين وناخبين جزءا مهما من المسؤولية للسعي لاختيار مثل هذه التركيبة المناسبة للخدمة وإدارة العمل البلدي والمحلي بالمرحلة المقبلة.