وقفة موضوعية في المساعدة القانونية

الأصل أن حق المواطن في الوصول للعدالة مجاني. ولهذا، فإن تحقيق غاية مراكز المساعدة القانونية هو في إغلاقها، حيث يتحقق للمواطن، مهما كان دخله المادي، أن يصل لقاضيه الطبيعي بشكل مجاني أو برسوم رمزية. لكن دراسة أجرتها دائرة الإحصاءات العامة على عينة من المواطنين الأردنيين، تشير إلى أن ما نسبته عشرون بالمئة -أي خُمس المواطنين- لا يقدرون على رسوم المحاكم وأتعاب المحامين.اضافة اعلان
عالمياً، كُرس حق الوصول إلى العدالة والمساعدة القانونية في العديد من الاتفاقيات والمواثيق الدولية، منها العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية مناهضة التعذيب، والإعلان العربي لحقوق الإنسان. ومحامو الأردن ونقابتهم التفتوا مبكراً لهذا الأمر؛ إذ تضمن قانون نقابة المحامين الصادر في الخمسينيات، في المادة رقم (100) منه، صلاحية النقيب بتكليف أي محامٍ أستاذ بتقديم المساعدة القانونية مجاناً لمن يحتاجها من رقيقي الحال الذين ثبت للنقيب فقرهم.
مجلس نقابة المحامين الموقر فسر النص أعلاه على أن حق تقديم مساعدة قانونية لشخص من رقيقي الحال هو حصريٌ على مجلس نقابة المحامين، ممثلاً في سعادة النقيب، وكأن هذا التفسير يعني أنه لا يجوز لشخص أن يدفع عن شخص رقيق الحال أتعاب المحاماة مساعدة له للوصول إلى العدالة. مع التأكيد والتسليم، لا بل والدفاع عن أن تقديم الخدمة القانونية المتمثّلة في تمثيل الأشخاص أمام المحاكم أو تقديم الاستشارات القانونية لهم هو أمرٌ حصريٌ في السادة المحامين المزاولين والمسجلين في سجل نقابة المحامين الأردنيين، ووفقا لأحكام قانون نقابة المحامين.
مراكز المساعدة القانونية، وعلى الأقل تلك التي أطلِعُ على أعمالها، لا تنافس المحامين ولا تأخذ من رزقهم، لسببين. الأول، أن هذه المراكز، وهي مؤسسات غير ربحية، إنما تحرص على أن تقدم الخدمات القانونية بواسطة محام مزاول من الهيئة العامة لنقابة المحامين الأردنيين، ويقتصر دور المركز على تأمين الأتعاب للمحامي، وتقديم نشاطات توعوية حول حقوق المواطنين القانونية. وثانيا، لأن الأشخاص المستهدفين بالمساعدة المالية لا يقدرون أصلاً على توكيل محام، لرقة وضعهم المادي، وهو الأمر الذي تحدده هذه المؤسسات حسب معايير واضحة ومنشورة. فمثلا، أحد معايير الاستحقاق لأحد المراكز هو أن لا يتجاوز دخل المعيل 400 دينار شهرياً لأسرة من ستة أفراد. وأيضا، هذه المراكز تستثني القضايا التي تحقق دخلا للمدعي، مثل قضايا الاستملاك والتأمين والملكية الفكرية، وكذلك قضايا إزالة الشيوع إلا إذا كانت لأرامل وأيتام.
أمّا التمويل الأجنبي، فأنا شخصيا احترم رأي من يعارض هذا التمويل. ولكن أقول إن هذا التمويل هو وسيلة وليس غاية؛ إذ لا بديل محليا عنه حالياً. وهذا التمويل واضح المصادر، معظمه من مخصصات صناديق دعم دولية لغايات التنمية في مجال سيادة القانون وتحقيق العدالة القانونية، ويأتي بعد موافقة مجلس الوزراء، استنادا لقانون الجمعيات، وهو يخضع في صرفه لتدقيق خارجي وداخلي. وهذا التمويل يكون بموجب اتفاقيات خطية تبين أهداف التمويل وغاياته وآلية صرفه. ونحن لا نقبل بأي تمويل محلي أو دولي يمس بالأردن أو أمنه أو أُسَرِهِ أو نظامه العام.
عند تطوعي شخصياً في إحدى هذه المؤسسات، تواصلت مع نقابة المحامين المحترمة، وطلبنا أن نعمل تحت إشرافها. وقد قابلنا لذلك ثلاثة نقباء، بالإضافة إلى الكثير من أعضاء مجلس النقابة المحترمين، ولم نتسلم طوال خمس سنوات وأكثر من عمل هذه المؤسسات أي اعتراض أو ممانعة.
ونحن نقول وعلى الملأ: إننا لا نسعى إلى أي نزاع مع أي جهة، وخاصة نقابة المحامين التي هي بيت المحامين جميعاً، والحارس الأمين على سيادة القانون وتطبيقه. ونحن نعمل لتكريس نظام للمساعدة القانونية، مساهمة متواضعة منا في تحقيق مبدأ سيادة القانون والحق الدستوري للمواطن وتمكينه من الوصول إلى العدالة، وذلك هو أساس الدولة المدنية وانتشار السلام المجتمعي.