وقف الاستقدام.. حل أم أزمة متدحرجة؟

أوقفت الحكومة استقدام العمالة الأجنبية منذ نحو ثلاثة أشهر. وفي سياق تبرير القرار، ذهبت إلى أن سوق العمل تعاني أمورا شائكة يجب تصويبها، وهذا من حقها. لكن البديل من العمالة المحلية لم يتم تجهيزه بعد لملء الفراغ الذي سيستجد بسبب القرار. وقد تحمل الأيام المقبلة حدوث اختلالات في بعض أوجه النشاط الاقتصادي.اضافة اعلان
صحيح أن الثلث فقط من العمالة المصرية في الأردن يحمل تصاريح عمل، بينما ينشط الباقون بشكل غير قانوني، ما يرتب غرامات بملايين الدنانير، وهي التي تسجل ضمن قائمة الأموال الضائعة بالنسبة لخزينة الدولة التي تعاني من عجز متراكم. ولكن رقم هذه العمالة تحديدا، والذي يتجاوز نصف مليون عامل، يستدعي حسابا دقيقا للمصلحة الاقتصادية، وعلى رأسها شبكة العلاقات والمصالح المشتركة مع الشقيقة مصر.
في مقدمة المخاوف التي ستلحق بالاقتصاد، حدوث خلل في قطاع الإنشاءات والتعمير. فقد اعتمد هذا القطاع، حتى وقت قريب، على العمالة المصرية التي تعد المحرك الرئيس لنشاط البناء على مستوى البلاد. وإذا أدخلنا في حسابات الربح والخسارة حالة القطاع العقاري الذي ينشط في شهر، ويعاني ركودا ذي صلة بنقص التمويل والسيولة في أشهر لاحقة، فإن أي إشكالية أخرى في إدامة نشاط القطاع سيكون عاملا آخر في اختلالات نحن في أمس الحاجة إلى تفاديها.
وليس القطاع الزراعي بأحسن حالا؛ فهو يعتمد أيضا، وبشكل واضح، على العمال المصريين الذين يملأون المزارع، ويديرون كثيرا منها في ظل غياب العمال المحليين. وترتبط بالمزارع تربية الدواجن والمواشي، بذات قوة التأثير للعامل العربي على حساب المحلي. ما يعني أن الفترة التي تسبق شهر رمضان المقبل ستكون مختلة في جانب معادلة العرض والطلب؛ إذ سيزيد الطلب على العمالة بدون توفر البدائل أو تضاؤلها، ما يعني فعليا تسجيل ارتفاعات في كلفة الإنتاج الزراعي، وأسعار الدجاج واللحوم، قبيل شهر رمضان الذي يشهد عادة صعودا في مستوى الطلب على المواد الغذائية والتموينية والزراعية.
ومع شكاوى المزارعين في الأغوار الأردنية من الحرائق التي تتسبب بها إسرائيل على امتداد المزارع المتاخمة لحدودنا مع فلسطين المحتلة، مضافا إلى ذلك معاناة المزارعين بسبب ضعف الموسم المطري نسبيا، واختلال معادلة التسويق والبيع؛ فإن نقص العمالة في المزارع سيعزز من تلك المعاناة. ولا أعلم حقيقة البدائل ومدى جديتها ضمن هذه الحسابات المصلحية الدقيقة على مستوى الاقتصاد ككل.
ووفقا لواقع الحال، فإن وجود العمالة المصرية ضمن سلسلة نشاطات اقتصادية تتصل بخدمات المخابز والمطاعم وغيرها، سيجعل من الصعب لتلك المؤسسات مواصلة نشاطها بدون آثار سلبية على المستهلك الأردني. فالتحليل الواقعي يذهب إلى أن العمالة الأردنية لن تسد العجز الذي سيظهر تباعا في الشهرين المقبلين في تلك الخدمات؛ فلا العدد موجود، ولا الرغبة أو القدرة.
ويمكن الاستنتاج أن العمالة المصرية أمست جزءا أساسيا في مشهدنا الاقتصادي، بدونها ستكون الكلفة باهظة، وستتأثر معادلة العرض والطلب. فوجود هذه العمالة في الأردن قديم ومتراكم وفاعل، وهو حتما لا يعبر عن ترف أو تخبط؛ فالعامل المصري يحتاج لكل جنيه، وقطاعات الاقتصاد تحتاج لكل من يسهم في إثراء نشاطاتها بالعمل وبأدنى التكاليف.
قرار الحكومة، في ظني، سيكون له ما بعده إن استمر بشكله الحالي. وستتداعى الآثار السلبية في ظل غلاء متدحرج، ووسط احتمالات رفع أسعار الكهرباء وقبيل شهر رمضان. وأكاد أجزم أن إحلال عمالة محلية مكان المصرية ليس بالأمر السهل، والسبب أن التشوهات في هيكل العمالة المحلية أكبر بكثير من تلك التشوهات التي تسعى الحكومة إلى معالجتها، وتتعلق بتزايد نسبة القوى العاملة العربية في الاقتصاد الأردني.