وقف التحريض ومحاسبة الحكومة

التحريض لم يكن قبل أحداث 15 تموز (يوليو)؛ التحريض بدأ بعد الأحداث بين فئتين من فئات المجتمع؛ فئة تؤيد الصحافي وترى أنه تعرض لإهانة شديدة وتهاجم رجل الأمن وتقول إنه ارتكب أخطاء جسيمة، وفئة أخرى تدين الصحافي وتعتبر أن ما حدث ليس سوى تمثيلية درامية، وتؤيد وتحشد لدعم رجل الأمن واعتبار ما فعله بطولة يجب أن يشكر عليها.اضافة اعلان
التحريض والتجييش ضد ومع كل من الصحافي ورجل الأمن سيخلق فجوة شديدة الخطورة على المجتمع الأردني، خاصة نحو مهنتين من أكثر المهن حساسية في التعاطي مع المواطن؛ حساسية المصداقية والأمانة والحماية التي يحتاجها كل مجتمع للاستقرار، أكثر من حاجته إلى الخبز والوقود.
وإذا علمنا أن كل ما يتعلق بسياسة ورؤية الحكومة في إدارة أجهزة الدولة هي مسؤولية رئيس الوزراء، وأن كل ما هو دون ذلك ظواهر تحتاج الى تحليل وعلاج مستقل، فإننا سنقف أمام واجب تاريخي بوقف عمليات التحشيد والتخوين والتجريح وتقسيم المجتمع إلى أقسام متباعدة متنافرة متحفزة. وإذا كانت الأحداث تحتاج إلى مراجعة ومحاسبة، فالأولى إذن محاسبة صاحب الولاية "رئيس الوزراء" على اعتماده على معلومات تؤكد أن المنظمين كان لديهم سعي لرفع شعار إسقاط النظام، ولم يكلف الأجهزة المعنية التحقيق في مصدر المعلومات، وإحضار مطلقيها ومحاسبتهم فورا، وقبل أن يقول، وعلى الهواء، إن الحكومة ضد الاعتصامات المفتوحة، ويترك لوزير الداخلية وضع خطة أمنية تنفيذية، تعتمد تفريق المعتصمين والمواجهة معهم ومع الصحافيين، أدت بلا شك إلى كل ما نراه ونتابعه بأسى وحزن.
لم أكن مع اعتصام 15 تموز (يوليو)، واتهمت صراحة أنني كنت محرضا على عدم إقامته. ومع أنني كنت محذرا فقط من المواجهة، إلا أن هذه التحذيرات لم تكن هي الفعل، الفعل كان في الدعوة لهذا الاعتصام على دوار الداخلية، كما أعلن المنظمون في البداية، وقلت إن المكان المفترض يشي بنوايا المواجهة، والأفضل الذهاب إلى الساحات المخصصة لذلك حقنا للدماء. وكان التحذير أيضا، من تنامي ظاهرة الاستعراض والبطولات الوهمية، وسرقة جهود الإصلاحيين الذين بذلوا الكثير للوصول إلى هذه اللحظة التاريخية في تحقيق الإصلاحات الجادة، وتعديل الدستور وقانوني الانتخاب والأحزاب، والتي تحتاج إلى توحيد وتنظيم الجهود، لتحظى بمتابعة الفعاليات السياسية ومشاركتها وقبولها لكل المخرجات.
أحداث 15 تموز (يوليو)، وما يدور حولها، غضت الطرف عن الإصلاح، وعن الجدول الزمني الذي تعهد به رئيس الحكومة لإنجاز التعديلات الدستورية خلال آب (أغسطس) وإقرار قانوني الأحزاب والانتخاب في أيلول (سبتمبر)، وتناست أيضا أهمية توحيد الجهود للضغط على الحكومة للحصول على قانون انتخاب لا تقل فيه عدد مقاعد القائمة الانتخابية عن 30 مقعدا، مع علم الجميع أن الحكومة قد عقدت عزمها على تقديم "منّة" لا تزيد فيها عدد هذه المقاعد على 15 مقعدا، حسب توصيات لجنة الحوار.

[email protected]