وقل للغياب..

مالك العثامنة عام 1991، لم تستطع منظمة التحرير الفلسطينية أن تكون مفاوضا مباشرا في عملية السلام التي قرر المجتمع الدولي خوضها في أول مفاوضات مباشرة بين العرب وإسرائيل، فدخل الفلسطينيون بممثلين حقيقيين يمثلونهم من الداخل الفلسطيني لكن تحت مظلة أردنية، فالمؤتمر الدولي يحتاج إلى كيانات شرعية معترف بها! وعلى موازاة مدريد، كان الاختراق الأخطر بمحادثات أوسلو السرية حيث كان ممثلو منظمة التحرير يجتمعون برسميين إسرائيليين، لتنتهي المحادثات باتفاق أوسلو، اتفاق على مراحل (تعثرت كثيرا)، وانتهى اليوم إلى طريق مسدود بالكامل معدوم الأفق. فالإسرائيليون لا يرون في الفلسطينيين “السلطة والمنظمة والقيادات جميعها” شريكا حقيقيا في السلام، واليمين الإسرائيلي استطاع أن يتغذى وينمو على فساد تلك السلطة وانشقاقاتها وصراعاتها الأمنية مع حماس (يرى كثير من الإسرائيليين ان نتنياهو أضعف السلطة بتقوية حماس فخسر الجميع فرصة السلام). حسنا.. نحن أمام منعطف تاريخي جديد، فأوسلو بكل ما فيها ونتائجها هي الآن باطلة أمام سلطة فلسطينية منتهية الصلاحية، ويمين إسرائيلي لا يريد النزول عن الشجرة. لو أريد للأردن أن يكون وكيلا أمنيا عن إسرائيل فتلك بداية أزمة جديدة تزيد التعقيدات؛ ولو تم طرح فكرة الأردن كحل بديل للفلسطينيين فنحن أمام أبواب جحيم لا أحد غير الله وحده (وهو الذي يتوهم الجميع الحروب باسمه) يعرف منتهاها. واعتماد إسرائيل كدولة يهودية القومية، يفتح سابقة كارثية تعطي تمهيدا لداعش ومخلفاتها فيما بعد لإعلان الدولة الإسلامية، أو للبنان أن يكون دولة مارونية، وهذا يشبه إشعال كرتونة من علب الكبريت أمام برميل بارود شديد الانفجار. وفي المقابل، فإن حل الدولة الواحدة “ثنائية القومية وديمقراطية” هو حل انتحاري لإسرائيل، والكل يدرك ذلك (رغم أني سمعت في الأردن توجها نحو طرح هذا الحل كتكتيك لإحراج إسرائيل). ما الحل أمام تلك المفارقات التعجيزية التي بدأت فعليا بالتدحرج ككرة ثلج عام 1974؟ (حين أصرت المنظمة على ترسيخ كفاحها المسلح بتمثيلها الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني!). الحل الواقعي الذي يمكن تصوره الآن، يكمن في العودة “قدر الإمكان” وبحذر يراعي مصالح الجميع وبواقعية نحو ما قبل الحرج المتدحرج. الحل يكمن في حوار متحرر من كل إرث الطروحات التقليدية، عودة إلى الخلف قليلا نحو ما قبل أوسلو، حيث كان الاختراق التاريخي في مدريد وهو المسار الذي بترته أوسلو وما بعدها. هناك طروحات كثيرة، ورغم الجمود على السطح إلا ان تحت السطح يموج بالكثير من التحركات التي لا تنقلها الأخبار. حتى الإقليم نفسه تغير، والتغير فيه جذري ويضرب في عمق ما اعتدناه طوال عقود، ودول الخليج العربي تغيرت ولم تعد تقبل بدور “الممول” الواقف خارج قاعات الحوار، بل تقود وبحزم ومنهجية واضحة فكرة التعاون الإقليمي التنموي في قفزة عالية تتجاوز كل الحواجز السياسية المعروفة، مما يجعلها جزءا من الحوار ما دام السياق إقليميا يعاني فيه الجميع من أزمات عالمية! ومن يقرأ ما يحدث في الضفة وغزة يكتشف أن السلطة الوطنية تجتر لعبة الكراسي، وفيها ومنها من سئم اللعبة المملة والمكررة، ويبحث عن حلول خارج كل ما هو تقليدي ومما علمته أن هناك انزياحا لذوات فلسطينية “فتحاوية” نحو غزة التي صارت مستعدة “بحذر” للانفتاح على حلول مبتكرة وجديدة. بعض هؤلاء، حاولوا طرق الباب الأردني لكن لم يجدوا ردا حتى اليوم. السؤال الأهم والحال كذلك: أين هو الأردن من كل ذلك؟ ولماذا الغياب؟ المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان