وليد الكردي أصل المشكلة

يمكن لنا أن نتفهم المبررات التي ساقها رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات المهندس عامر المجالي، لتبرير الخسائر التي تتكبدها الشركة، في ظل تراجع الأسعار عالميا. لكن من المؤكد أن الإدارة الحالية تتحمل جانبا من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في الشركة. وقد توفر اللجنة التي شكلتها الحكومة لدراسة أسباب الخسائر، الفرصة لتقييم أداء الإدارة التي أعلن رئيسها المجالي استعداده، منذ الآن، لتحمل المسؤولية وتقديم استقالته.اضافة اعلان
كل ذلك صار مفهوما، وشرحه بالتفصيل المهندس المجالي في مقابلته مع الزميل يوسف ضمرة في "الغد" أمس. لكن أصل المشكلة يكمن هناك؛ في الإدارة السابقة للشركة بـ"قيادة" وليد الكردي المحكوم بنهب أموال الشركة، والهارب من وجه العدالة.
واضح أن القصة لم تنته بخروج الكردي من الشركة، ولا تنحصر في المبالغ المالية التي طالبته المحكمة بدفعها (253 مليون دينار)، بل في رهن مستقبل الشركة بترتيبات جعلتها أسيرة لآلية عمل ووكلاء مبيعات وشركات وسيطة، تتبع إمبراطوريته المالية الموزعة على عدة مدن عالمية؛ من دبي إلى لندن، وصولا إلى أندونيسيا وبروناي.
لم يسرق الكردي تلك المبالغ التي نص عليها حكم المحكمة فقط، وإنما سرق مستقبل الشركة، وصادر حقها في العمل التجاري الحر خارج قيود شركاته الوسيطة. ويؤكد متعاملون في سوق الفوسفات أن الشركات الوسيطة التي تتحكم بصفقات البيع، تخضع لنفوذ الكردي وحاشيته، ولا تسمح بإبرام أي صفقة إلا عبر مكاتبها في دبي وأندونيسيا.
هناك في "الفوسفات"، وكما يبدو، كيان مواز يأتمر بأوامر الكردي، ويسوق الشركة وفق أطماعه، خاصة في مجال التسويق الخارجي وإبرام الصفقات.
الكردي ليس مجرد رئيس مجلس إدارة سرق أموالا عامة، إنه شخص خطر ارتكب جريمة بحق الاقتصاد الوطني، يستحق أن يحاكم عليها بمعزل عن الحكم الصادر بحقه بما نهب من أموال بالملايين.
ولأنه من هذا الصنف الخطر، يتعين على الحكومة أن تطلق عملية قانونية فعالة لاستعادته من الخارج، وتقديمه للمحاكمة، مهما كلف الأمر. وفي هذا المجال، لم نسمع منذ أشهر طويلة أي شيء عن الجهود المبذولة لاستعادة الأموال المنهوبة من الشركة، وإحضار المحكوم الكردي ليمثل أمام القضاء من جديد، لتعاد محاكمته، كون الحكم صدر غيابيا بحقه. وأثق أن القضاء الأردني النزيه سيوقع الحكم العادل عليه.
سيدخل رئيس الوزراء د. هاني الملقي التاريخ، إذا ما تمكن من تفكيك إمبراطورية الكردي التي تمسك بشركة الفوسفات، ونجح في إحضاره ليمثل أمام القضاء، واستعاد ما سرق من أموال هي حق شرعي للمساهمين في الشركة، وللخزينة فيها نصيب أيضا.
إن ما حصل لشركة الفوسفات هو أكبر عملية احتيال في تاريخ الأردن، قام بها شخص واحد، استغل نفوذه وحضوره لتنفيذها على مدار سنوات.
صحيح أن الشركة تعاني من متاعب تسويقية وإدارية، وتحتاج لعملية إصلاح شاملة، وربما إعادة هيكلة وظيفية وإدارية، كي تتحرر من ماضيها. لكن تظل تلك مشكلة تعاني منها كل الشركات في عالم الاقتصاد المتقلب. الكارثة الحقيقية في الشركة، تكمن في تلك الجرائم التي ارتكبت بحقها في زمن وليد الكردي. ولا بد من تصفية هذه التركة الثقيلة قبل أن نشرع في إصلاح الشركة.