وهلأ لوين؟

في فيلمها "وهلأ لوين"، لم تستطع المخرجة نادين لبكي أن تحسم مصير لبنان الذي كان ومايزال أسيراً للصراع الطائفي. ورغم كل الحلول السحرية والساخرة التي ابتكرتها نساء إحدى القرى المنسية لإبعاد رجالها عن الاحتراب الداخلي كرد فعل على معارك الطوائف في الخارج، إلا أنها تركت الباب مفتوحاً لكل الاحتمالات!اضافة اعلان
لبنان في القرن الماضي لا يختلف عن لبنان الآن رغم الربيع العربي، فزعماء الطوائف مايزالون سدنة الموقف، وإن تغيّرت التكتيكات والتحالفات.
يروي الفيلم بصراحة وجرأة حياة سكان قرية حدودية في لبنان، يتعايش فيها المسلمون مع المسيحيين؛ يومياتهم واحدة وطقوسهم واحدة، قهوتهم واحدة، أحلامهم وآلامهم ذات التفاصيل، والمسجد تقابله الكنيسة والدمار لا يفرق بينهما.
القرية تعيش خارج التاريخ والحضارة والمعاصرة، فهم يجتمعون في بيت المختار ليشاهدوا البث التلفزيوني "المشوّش" الذي التقطوه بشقّ الأنفس. ووسائل المواصلات العصرية غائبة، وهناك دراجة نارية قديمة صنعت لها مقطورة، عبارة عن "بانيو" استحمام، لنقل ما يحتاجونه من المدينة، ويتولى هذه المهمة شابان من القرية.
القرية يسكنها النسيان كما تسكن جنبات طرقاتها الترابية الألغام التي خلفتها إسرائيل، ورجالها الذين عاشوا بعد الحرب الأهلية ولم يقتلوا بصواريخ إسرائيل بائسون لا أحلام لهم. ورغم التعايش بين الديانتين، إلا أنهم في أول اختبار يسقطون في فخ الصراع والتناحر. ليس مهماً وجاهة الأسباب، فهم ليسوا سوى انعكاس لما يجري حولهم، لذلك تخفي نساؤهم الصحف التي تصل من المدينة، ويكسرن التلفزيون الوحيد في قريتهم حتى لا يسمعوا الأخبار ويعرفوا عن حوادث القتل الطائفي خارج قريتهم، فهذا هو الحل الوقائي حتى لا تشتعل الصراعات عندهم.
نساء القرية، بائتلافهن المسيحي المسلم، هن الضمانة الوحيدة لوحدة سكان القرية، فقد اكتوين بنار مقتل أولادهن وأزواجهن في الحروب، وما يزلن يتوشحن الأسود ويتجرعن مرارة الفقدان.
وحين يتفاقم الصراع الطائفي خارج القرية، يقررن أن يحضرن مجموعة من النساء "الأوكرانيات" من العارضات ليقمن في القرية، لعل وعسى يلهي ذلك رجالهن عن الاقتتال. وحين تفاقمت الأزمة بموت أحد شباب القرية برصاصة قنص وهو ذاهب إلى المدينة لإحضار الطعام والاحتياجات لهم، تزايدت مخاوف النساء من اقتراب شبح الحرب، فقررن إخفاء كل الأسلحة عبر دفنها حتى لا يجد رجالهن، الذين أسكروهم ووضعوا لهم "الحشيش" في أكلهم وشرابهم، ما يقتتلون به.
مخاوف الاقتتال الطائفي لم ترحل من قلوب نساء القرية، لهذا قررن لمواجهة خطر المواجهة عند اكتشاف مقتل الشاب أن يتحولن عن دياناتهن، فالمسلمة تصبح مسيحية، والمسيحية تصبح مسلمة حتى يقطعن الطريق على الفتنة.
دراما "وهلأ لوين" لا تختلف كثيراً عن الواقع، وطوال ساعتين من العرض كنت أخلق مقاربة مع واقعنا الأردني وأتساءل: كم قرية منسية في الأردن؟ كم عدد الذين ذهبوا ضحية ثارات عشائرية في الأردن؟ إلى أي درجة تسكن وجدان الناس الهويات الفرعية والجهوية، وهم مستعدون للاقتتال دفاعاً عنها؟
هذه المقاربة والأسئلة شوّشت تفكيري وتركيزي على الفيلم الجميل، الذي يعرض واقعنا العربي بطريقة سينمائية ملفتة، ودفعتني للسؤال: وإحنا في الأردن "هلأ لوين؟".