"وين الغلط"؟!

أستأذن القرّاء الكرام في العودة إلى موضوع "المزايا الخدماتية" لأبناء الأردنيات المتزوجات من غير أردنيين، والذي طرقناه مراراً وتكراراً بانتظار تطبيق هذه الحقوق المدنية الأساسية التي أقرّها مجلس الوزراء منذ أشهر عديدة، لكنّ شطراً كبيراً منها ما يزال يراوح مكانه.اضافة اعلان
يوم الخميس الماضي، وفي اجتماع رئيس الوزراء بالمحافظين في وزارة الداخلية، أكّد (كما جاء في الخبر الرسمي لوكالة الأنباء "بترا") على أنّ المزايا الخدماتية أمر منتهٍ، وأنّ تطبيقها بالنص ملزم لكل مؤسسات الدولة. وهي رسالة صريحة واضحة محدّدة، جاءت بعد لقاءات مكثّفة مع مهندس "المبادرة" النيابية د. مصطفى حمارنة، الأكثر نشاطاً في ملف "المزايا الخدماتية". وهو الأمر الذي أكّده أيضاً وزير الداخلية، الذي عيّن بدوره مسؤولاً إدارياً مختصاً بمتابعة هذا الموضوع في الوزارة، كما أخبرني د. حمارنة نفسه!
تصوّروا أنه برغم كل هذه التأكيدات الرسمية والإدارية والإعلامية على تطبيق المزايا الخدماتية لأبناء الأردنيات، أي الحق في التملك والعمل والتعليم ورخصة القيادة والخدمات الطبية... إلاّ أنّ الأمور على أرض الواقع لم تتغيّر قيد أنملة!
لديّ عدد من القضايا الواضحة السافرة لأبناء أردنيات متزوجات من أجانب، كلهّا مرتبطة بحق التملك. إذ ما تزال دائرة الأراضي والمساحة (يا معالي وزير المالية!) لا تقبل الاعتراف بهذه المزايا، وتقول للمراجعين "لا شيء تغيّر.. لم تأتنا تعليمات جديدة"!
طيب، لمن يتحدث الرئيس ووزير الداخلية والمسؤولون في تلك الاجتماعات؟ ولمن توجّه تلك الرسائل الإعلامية؟! ألم يقرأ، مثلاً، مدراء الأراضي والمساحة هذه التصريحات في الصحف؟! ألم يخاطبهم أي مسؤول في الدولة ليؤكّد لهم ضرورة تطبيق التعليمات الجديدة؟!
نحن أمام احتمالين رئيسين:
الأول، أنّ الوضع أصبح داخل مؤسسات الدولة على قدر كبير من الترهل الإداري والتفسّخ بين المؤسسات المختلفة والدوائر التابعة للحكومة، إلى درجة أنّ رسالة مهمة مثل هذه الرسالة الواضحة، لا تصل إلى مدراء رسميين، فكيف نتوقع بعد ذلك أن تصل رسالة الدولة السياسية والإعلامية إلى المواطنين والرأي العام مثلاً، أو أن نكون ناجحين في إيصالها إلى الرأي العام الخارجي، إذا لم تصل إلى موظّفي الدولة أنفسهم؟!
أما الاحتمال الثاني، فهو أنّ كل كلام رئيس الوزراء، ووزير الداخلية، مُسح بجرّة قلم عبر رسالة أو قرار آخر وصلا إلى هذه الدوائر المدنية (مثل دائرة الأراضي والمساحة) يقولان لهم: انسوا ما يقوله الرئيس ووزراؤه في الإعلام، يبقى الأمر على ما هو عليه، والمعاملة لأبناء الأردنيات تستمر كما كانت؛ فلا يحق لهم التملك، ولا يحصلون على رخصة قيادة إلاّ ضمن الشروط القديمة، ولا خصوصية لهم في العمل والتعليم!
وفق كلا الاحتمالين، فإنّ المراوحة في هذا الموضوع (المزايا الخدماتية) أمر عجيب فعلاً. ولا أعرف كيف يتعامل رئيس الحكومة مع هذا التكسير الفاضح الواضح لأوامره وتعليماته المقرّرة من قبل مجلس الوزراء؟! ألا يستدرجه ذلك إلى سؤال جوهري: وين الغلط؟! ألا يشعر أنّ الكارثة أكبر من موضوع أبناء الأردنيات، وتتمثل في أنّ رسالة من الدولة إلى موظّفيها، وقرار إداري مقرّ بتعليمات واضحة من الحكومة، يواجهان استعصاءً بيروقراطياً كبيراً؟!
لو كنت مكان الرئيس، لطلبت وزيري المالية والداخلية ومدير دائرة الأراضي والمساحة، وسألتهم فيما إذا كانوا يعترفون بالحكومة الأردنية أم لا! أو فيما إذا كان هناك رئيس وزراء آخر يتبعون له في تلقي التعليمات والتعميمات الإدارية!
لا نريد أن نقاتل الناطور، فما يعنينا هو العنب؛ أي تسهيل حياة عشرات الآلاف من أبناء الأردنيات المقيمين هنا، وممن أخذوا البطاقة التعريفية المطلوبة من دائرة الأحوال المدنية (قرابة 44 ألف شخص)؛ فقط هذا ما نطمح إليه!