ياسين يكرس حياته لحماية أهالي منطقته من الأفاعي السامة وتأمين الأمصال

علا عبد اللطيف الغور الشمالي – أخذ الخمسيني ياسين الصقور على عاتقه عملاً إنسانياً ممزوجا بالشجاعة والقوة، فهو من لواء الغور الشمالي ومن سكان منطقة الكريمة، حيث يقوم بحماية أرواح المواطنين باصطياده الأفاعي السامة المتواجدة بالقرب من المنازل والمناطق السكنية ومزارعهم المنتشرة في اللواء. ويستجيب الصقور مباشرة لأي نداء هو وطاقمه “عشاق أفاعي وادي الأردن” سواء لتخليص المواطن من الأفاعي السامة أو إغاثة من يتعرض لحالة لدغ من خلال تأمينه بالمصل المضاد الذي يقوم بإحضاره من خلال تبادل المصل مع خبراء آخرين من دول أخرى مجاورة. استطاع الصقور أن يفرض اسمه في عالم الأفاعي، وتحول إلى خبير معتمد في هذا المجال، عبر خبرة اكتسبها من والده، وعمل بها منذ العام 1989، ونقلها إلى أفراد أسرته، حتى أصبحت ابنته “ملك” ذات الـ14 عاما تنافسه أيضا بالعمل. ويعمل الصقور من خلال التجمعات الشبابية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي على تثقيف المواطنين، حول أنواع الأفاعي، ويؤكد ضرورة عدم قتل غير السام منها للمحافظة على التوازن البيئي، مشيرا الى أنه أخذ على عاتقة مسؤولية معالجة أي مواطن يتعرض للدغة أفعى من خلال متابعة حالة المريض مع الكادر الطبي والعمل على إحضار المصل المضاد لتلك الحالة. كما أنشأ صفحة على “فيسبوك” للتوعية والتثقيف والحيلولة دون وقوع حوادث لدغ تهدد حياة الفرد، كما تقدم الصفحة كل ما يلزم من معلومات في هذا المجال، وكل هذا دون مقابل وعلى نفقته الخاصة. في تجربة شخصية، تعرض شقيق الصقور للدغة من أفعى فلسطين، وخلال ذهابه للمستشفى تعرض لحادث سير، حيث حاول هو وفريقه الحصول على ترياق خاص مضاد لسم هذا النوع من الأفاعي، واستطاع تأمين 4 جرعات، ويبذل جهدا في الحصول على جرعات أخرى، ليتمكن أخوه من الشفاء.

خبرة من دون شهادة

الصقور قاده شغفه بحب الطبيعة والحياة البرية منذ كان عمره (15 عامًا) حين رأى للمرة الأولى الأفعى في البرية، حينها دفعه حب الطبيعة منذ الصغر لملاحقتها والإمساك بها والعودة بها إلى المنزل، ليضعها داخل صندوق مغلق ومحكم، رغم إلحاح أبيه بأنها يمكن أن تلحق به الأذى، كان يتابع برامج الحياة البرية من خلال شاشات التلفاز، لعيش التجربة في الواقع والتفاعل مع البيئة الحقيقية. يتنقل الصقور كل يوم وبشكل دائم ومستمر بين حقل وآخر في جميع محافظات المملكة وحسب الطلب، ممارسا هوايته الصيفية، وسط الأجواء الحارة لخروج الأفاعي من جحورها، فالأفاعي تصنف من الزواحف ذوات الدم البارد، وبمجرد شعورها بالدفء تبدأ بالخروج من جحورها، عندها يبدأ الصقور بصيدها وترويضها بأنواعها كافة. بحذر وبخفة وبمهارة عالية، يصطاد هذه الزواحف الخطرة، حتى أنه بات يُعرف في المناطق الأخرى والحارات المجاورة، بصائد الأفاعي، لتصل شهرته لكل بيت في منطقته، كما أنه يتلقى دائما اتصالات هاتفية من السكان، طلبا للمساعدة للتخلص من بعض الأفاعي في الحدائق المنزلية، وفي بعض الأحيان يسافر الى الدول المجاورة لتخليص بعض الناس من الأفاعي التي لا يمكن صيدها بسهولة. الصقور، في حديثه لـ”الغد”، يبين أنه امتلك سابقا أكثر من 50 أفعى، كان يضعها في صناديق شفافة بين الأزهار والصخور في حديقة المنزل، متابعا أنه يعمل في بيع الأسماك وطيور الزينة من المنزل، كما يخرج كل أسبوع مرة للمناطق البرية لصيد الأفاعي، أو بشكل مفاجئ عن طريق إبلاغه بوجود أفعى لدى أحد الأشخاص. ويقول الصقور إنه يتألم حينما يشاهد أو يعلاج أيا من المواطنين في حال تعرضعهم للدغات أفعى، وخصوصا الأطفال وكبار السن الذين لا يتحملون كمية الألم والأوجاع. ويقول والد الطفلة ماسة إن ابنته قبل حوالي أسبوع تعرضت للدغة أفعى وتم إسعافها الى أحد المستشفيات القريبة، ولكن كان يعلم عن وجود فريق “عشاق أفاعي وادي الأردن” الذين حضروا الى المستشفى وقاموا بمساعدة الكادر الطبي وإحضار المصل لها والآن هي بصحة جيدة. يطالب الصقور المواطنين بضرورة التوقف عن قتل جميع أنواع الأفاعي، مثل نوع “العربيد” غير السام، ولكن هناك أنواع من الأفاعي التي يجب أن يعرف الناس خطورتها لكونها قاتلة، حيث دائماً يحذر الناس منها ويدعوهم لتجنب سمها القاتل. ويعتبر أن عمله مع تلك المجموعة “رفع من درجة الوعي لدى عامة الناس، رغم بعض التحديات التي واجهتهم في البداية، وتحولت فكرة قتل الأفاعي إلى احتواء، وعدم المساس بحياتها، حفظا للتوازن البيئي”. ويتابع الصقور “لدينا فريق خبراء من كل الدول العربية، ونساعد بعضنا بعضا في حالات اللدغ، فالأفاعي لها طريقة تعامل مختلفة”، كما أن المضاد يتم توفيره من سم الأفاعي، ويأمل بأن يكون هناك اهتمام بهذا الموضوع، لتحويل السم إلى مصل بدلا من الحصول عليه من الخارج. ويكشف عن تعامله خلال العام الماضي مع 196 حالة لدغ، كان بينها 5 وفيات، وتبين فيما بعد أنها ناتجة عن أخطر الأنواع، وهي أفعى “الخبيث الأسود”. ويستذكر أنه وقبل حوالي شهر توفي صديقه، إذ تعرض للدغة أفعى خبيثة، ولم يتمكن من الاتصال به، وبعد أن وصل الى المستشفى توفي فورا، مما كان له الأثر الحزين على حياته. ويناشد الصقور، بمساعدة فريقه، بالحصول على “ترياق” خاص مضاد لسم أفعى فلسطين، مؤكداً أنه حصل على 4 جرعات، وبذل جهدا كبيرا في الحصول على الجرعات الأخرى. وفاة مواطن لدغه “الأسود الخبيث”.. ماذا نعرف عن الثعبان السام؟

سموم الأفاعي

وتحدث الصقور عن سموم الأفاعي في صناعة أنواع من الأدوية والمراهم الطبية، وهو ما ذكر أيضا في كتب الطب الشعبي، كما أن أثواب الأفعى تستعمل في صنع أنواع من العلاجات الشعبية، حيث يقال إنها تستخدم لعلاج الثآليل، ومنهم من يستخدمها لصنع دواء لعلاج العقم، ولعلاج الصدفية وما شابه، مع ضرورة التمييز بين الخرافات والمنطق. وتقتل الأفاعي الفئران والجرذان الكبيرة المؤذية للإنسان والمزروعات، لذلك فإن قتل الأفاعي بشكل عشوائي سيكون أثره سلبيا. وفي الأردن 37 نوعاً من الأفاعي، سبعة منها شديدة السمية وثلاثة أنواع قليلة السمية (خلفية الأنياب). ويوضح الصقور أن صفحاته على مواقع التواصل الاجتماعي شكلت له قاعدة من المتابعين وهواة الحياة البرية، والتعرف على مختلف أنواع الأفاعي الموجودة في الأردن وفلسطين والدول العربية الأخرى من خلال التواصل مع المهتمين في هذا المجال، وتوثيق جولاته البرية في صيد الأفاعي بالصوت والصورة. ويطالب الصقور بضرورة الاستفادة من الأشخاص القادرين على التعامل مع الأفاعي بأنواعها، وأن يكون هنك تعاون مشترك بين وزارة الزراعة و”حماية الطبيعة” لتحقيق الفائدة المرجوة، كذلك التعاون مع وزارة الصحة لتوفير الأمصال والمساعدة في العلاج. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان