يا أصحاب المطاعم..!

حالنا مع المطاعم التي تغشنا وتبيعنا الأكل الفاسد مثل "بالع الموسى على الحدين". فمن ناحية، لا نرغب التركيز في الإعلام على هذه المسألة المُخجلة، حتى لا "يطفش" السياح أو يتردد مواطنونا في ارتياد المطاعم ويتضرر القطاع. ومن ناحية، يعني السكوت عن الغشاشين التآمر على أنفسنا وعلى السياحة أيضاً، لأننا نحن الأردنيين أول الضحايا، ولأنّ مقامرة العبث بصحة ضيوف الأردن جريمة أخلاقية واقتصادية أيضاً.اضافة اعلان
وليس لدينا الكثير من الخيارات السياحية بلا بحر وأنهار قريبة. وربّما لاحظ معظمنا مع قدوم مغتربينا في الصيف، كيف أن أول ما خطر في بالنا لإكرامهم والترفيه عنهم، هو اصطحابهم إلى مطعم جيد. ونعرف أيضاً أن أسعار المطاعم في الأردن أغلى من معظم الأماكن، قياساً بدخولنا المتآكلة أصلاً، بحيث يغص المضيف بالمبلغ المرقوم على الفاتورة، وتذوي فرحته الغريزية بإطعام الضيف. وحتى بلا ضيوف، لا نكاد نجد ما نُفرح به عائلاتنا وأولادنا سوى الاجتراء على ميزانية الشهر وأخذهم إلى مطعم لتغيير الجو وتنشيط العلاقات.
وبما أننا ندفع، وكثيراً، فما الذي يبرر للسادة أصحاب المطاعم أن يغشّونا في نظافة وصحية الطعام، ونحن –بعد الله تعالى- سبب شغلهم ومصدر رزقهم وثرواتهم؟ وأيّ شيء ينبغي أن نفعله زيادة على دفع فواتيرهم الفلكية (والسكوت عن سوء الخدمة النمطي) حتى يعطونا حقنا بضمير، ويتقوا الله فيما يطعموننا؟ وفيمَن نثق بعد أن تسربت أسماء مطاعمَ تعتبر نفسها راقية ومميزة و"ماركات"، في قائمة المخالفين الذين عوقبوا بالإغلاق والغرامات بسبب القذارة وفساد مواد التغذية، ولم تصمد أمام أول اختبار؟
كنتُ عرفتُ من قريب يعمل في مطعم بارز، أنّ اللحم الذي يُستخدم في "الشاورما" مثلاً، هو لحم هندي رخيص جداً (ثمن الكيلو أقل من دينارين في ذلك الوقت غير البعيد)، والذي يأتي في شرائح وطبقات مجمدة من عهد مجهول. ثُم يعالجونه بكثرة البهارات والحيل والنقع حتى يشتهيه العابرون، ويشترونه بلا شكوك. وسمعت نقلاً عن صيدلاني موثوق أنه رأى بعينيه مطعماً ينقع دجاج الشاورما في "البانيو" –وأظن أنّ حوض الاستحمام (البانيو) لا يمكن أن يكون سوى في الحمّام. وإذا حسبنا أسعار شطيرة هذا النوع من الطعام، فإن صاحب المطعم يجب أن يربح ربحاً معقولاً جداً لو استخدم لحماً مستورداً متوسط السعر، مثل الذي يستخدمه معظمنا في طعام البيوت. وما الضير وأي عناء في نقع اللحم في أوان نظيفة؟ وأي ضرار في ارتداء الطاهي ثوباً نظيفاً واستخدامه قفازات وهو يعمل؟ لا يمكن في الواقع التفكير في سبب يدفع صاحب مطعم إلى الاستهانة بصحة مواطنيه –والمغامرة بتدمير مصدر رزقه- سوى نوع من الجنون الانتحاري، أو الحقد المرضي وخدر الضمير، على طريقة رجل المافيا صاحب المطعم في فيلم "الكازينو" الذي بصق في الشطيرة قبل أن يقدمها لضيفه الخصم.
لو قرّر الأردنيون أن يقاطعوا المطاعم، لذهب الأمين بجريرة الغشاش، ولأصيب القطاع بضربة قويّة تطيح برؤوس تتعالى على مواطنيها بما تلمه من جيوبهم، وسيوفر الناس مالهم وصحتهم. لكنّ مواطنينا ينسَون، لندرة الخيارات أو لطبع التسامح الغلاب، أو ربما من باب السذاجة الصرفة. وقد صُدمنا قبل فترة بتسمم عدد كبير من الناس بالسالمونيلا في "مايونيز" أحد المطاعم، ونسينا. واليوم، اصطادت الجهات المسؤولة التي استفاقت، وفي حركة واحدة، عدداً كبيراً من المطاعم ومخازن الأغذية في أوضاع مزرية ومخجلة، والمخفيّ أعظم. ويتصور المرء –استنتاجاً من الأسماء والماركات المتورطة- أن تفتيشاً أكثر شمولية سيكشف عن رزايا ومصائب مختبئة في المطابخ، وأن الكثير من الأماكن التي نرتادها وندفع لها أكثر مما ينبغي، هي طباق للقول الشعبي: "من بره رخام، ومن جوّه سخام". أين نقابة أصحاب المطاعم؟
إن صاحب المطعم ومصنّع الغذاء هو مواطن أولاً، وهو تاجر أساساً. ولا نفهم لماذا يشرع مواطن في قتل مواطنيه سمّاً وقصداً وهو يأخذ فوق حقه ولا يعطي للناس حقهم –وكأنه لا يكفينا ما فينا! وفوق ذلك، ليس من الشطارة والتجارة في شيء مغامرة المرء بضميره وسمعته ورزقه، مقابل أي شيء. أما وقد تبين ما تبيّن، فإننا نعلق أملنا فقط على يقظة السلطات!

[email protected]