"يا الله ما إلنا غيرك"

على وقع المدافع والقصف الجوي ووحشية أفراد جيش نظامي لا يعرفون معنى الرحمة؛ تلملم الأم ما وقعت عين الصدفة عليه، وجادت الذاكرة بتفطن أهميته، وتهم خاطفة ابناءها من سرقة الموت إلى عذاب ليس أقل وجعا وهو عذاب التشرد.اضافة اعلان
الخيارات عندها ليست كثيرة، ولكن كل ما هو دون الموت لأبنائها ستقبل وترضى به. هذا حوار داخلي سريع وصاخب دار في غرفة روح لاجئة سورية يقتلها القهر واليأس والانكسار.
هي تريد النجاة لأبنائها، بصرف النظر عن رحلة العذاب والتشرد للوصول لمحطة اللجوء، فذلك سيكون أقل خطرا وضررا من موت بالمجان..
تبدأ الرحلة، مرة بسيارة وأخرى على الأقدام، وسط تسهيلات رحمانية، تقف على الحدود، على شيك حديدي، هناك تقرر الأم أن تفتح باب اللجوء وتدخل لحياة أخرى لا تعرفها.
وفي اللجوء هناك من الصور ما يختصر كثرة الكلام وقلة الحيلة. لأم تحتضن رضيعها بخوف، وأخرى تمسك بيديها صغارها الذين يترقبون بحذر عالمهم الجديد في رحلة لا تشبه تلك التي كانوا يذهبون إليها للاستمتاع واللعب برفقة والدهم الذي رحل عنهم لأنه نادى يوما بالحرية.
وسائل الإعلام تعج بصور اللاجئات السوريات الواصلات لتوهن إلى مخيمات اللجوء بعد رحلة عذاب أوموت؛ تحت قذائف النار وقصف النظام هناك، نقلت قهر وانكسار امرأة غادرت بيتا كان يعج بالذكريات ورائحة تراب الوطن الذي يعني استنشاقه؛ مواصلة الحياة..
اللاجئة السورية هي الأم والبنت والأخت والجدة التي استحلفت بكل ما آمن به مسلمون وعرب بإنقاذها وأبناء شعبها من النظام الوحشي، ولم تجد سوى أن تحزم ما بقي لها صوب حدود آمنة على مرمى من القصف.
ثمة نساء من اللاجئات، هنّ صاحبات عفة وكرامة، وفي ثنايا ملامحهن مشوار طويل من قهر وتشرد، لن ينتهي بإقامتهن في "خيمة".
للجوء المرأة معنى آخر وطعم مختلف أكثر مرارة. فحفاوة الترحيب وإمدادهن بالطعام والشراب بنكهة التشرد لن تغنيهن عن قلبهن المعلق بقراهن الأصلية..
هناك في المخيم امرأة طاعنة بالسن لوث النظام الديكتاتوري شيبتها، وأخرى فقدت زوجا وأخا وأبا، وفتاة تركت أحلامها الجميلة هناك، ومثلها اُنتزعت براءتها من وحش نظامي، وطفلة تركت ألعابها ورفيقاتها وكبرت فجأة على مأساة عائلتها التي فقدت طعم الفرح ونكهة الحياة.
هل هذا هو العذاب؟!، أظن بأن قليلا من كل هذا هو العذاب بأبشع صوره، فكيف وقد اجتمعت على اللاجئة السورية كل صنوف القهر وعذاباته!!.
بين ماض وحاضر ومستقبل، نستخلص من ملامح اللاجئة السورية قصص قهرها في بلدها، ونطالع قصفا جاءها من مكان كانت تعتقد أنه الأكثر أمانا. هي اليوم "لاجئة" تهرب بحثا عن النجاة؛ فلا الطعام ولا الشراب ولا الدواء هي محركات اللجوء، بل الأمن؛ والنجاة بروح فلذات الأكباد.
على مشارف مخيمات اللجوء السورية، نقر ونعترف بأننا المقصرون دوما بحقوق الإنسانية وحقوق الهوية الجامعة لنا؛ عربا ومسلمين.
أيتها النساء السوريات انتظرن فقط قليلا.. فإن الفرح بنصر الشام قد اقترب..
أيتها الحرائر، صبرا والله المستعان. لقد هتف شعب سوريا "يا الله ما إلنا غيرك".. وها أنتن تختنقن بالأنين وأنتنّ ترددن من بين شقوق خيمة هرأها الغبار والحر ومرارة الصحراء: "الموت ولا المذلة"!

[email protected]