يا رب سِترك!

تعيد حادثة القتل في جامعة البلقاء التطبيقية (في مدينة السلط) الذعر لنا جميعاً، لأنّها بمثابة رسالة أخرى تنذر بالخطر، وبأنّ وضع التعليم العالي لدينا أسوأ من التربية والتعليم، على الرغم من كل الجهود المقدّرة التي يقوم بها الوزير الحالي، د.وليد المعاني، لكن "الفتق كبُر على الرقع"!

الجملة المفيدة (هنا) أنّ كافة المؤتمرات والندوات ومجالس إدارة الجامعات وجميع ما قامت به الحكومة، خلال الفترة الأخيرة، لم يمسّ ظاهرة العنف في الجامعات قيد أُنْملة، لأنّها لا تتعامل مع جذور المشكلة ومعقل السوس ومدخلات الانهيار في التعليم العالي.

فيما تغذّي حادثة القتل (هذه) أهالي الطلبة بحالة من الذعر الحقيقي. فبالتأكيد لم يكن يخطر على بال والديّ كلّ من الطالب القاتل والمقتول (بأي حالٍ من الأحوال) أنّ هذه نهاية أبنائهم في الجامعة، أي المنارة المفترضة للمعرفة والمدنية والأخلاق والارتقاء بسلوك الإنسان وقيمه!

للأسف، ومع هذا المشهد الصارخ للأزمة، ما يزال يصر مسؤولون مقربون من "مطبخ القرار" على الإنكار، والتشكيك بالأصوات الخبيرة المحترمة التي تقرع جرس الخطر. وبشهادات نخبة من الأساتذة المخلصين تؤكد أنّ الجامعات تسير بتسارع إلى الانهيار، مع انتشار العادات السلبية والمخدّرات، واللامبالاة، والفراغ بين طلابنا.

لا مجال للمجاملة والكلام المخادع هنا، بل لا أبالغ، أو أتجنّى، عندما أقول: إنّ جامعاتنا "اختُطفت" عن سبق إصرارٍ وترصّد، وأصبحت اليوم في حالٍ يُرثى لها، مقارنةً بعقود كانت تمثّل حقّاً حالة متقدّمة على المجتمع، تعيد إنتاج الوعي الثقافي والسياسي لطلابنا، وتنتشلهم من كافة الاعتبارات البدائية والعاطفية وتردّهم إلى القيم المدنية.

ماذا نتوقّع من طلابٍ ينالون علاماتهم بـ(الواسطة)، ولا يحترمون المعرفة، ولا يقرؤون كتاباً خارج المنهاج، وفي أي مشاجرة يسارعون إلى تكسير الأشجار والصفوف الجامعية، أيّ قراءة مرعبة لحالة أولئك أو مستقبلهم؟!

الدولة والمجتمع وجميعنا، اليوم، ندفع ثمناً باهظاً لأولئك الذين أفسدوا الجامعات، و"لعبوا على نار" التعبئة الكارثية للطلاب، وفي تعيين الأساتذة غير المؤهلين، وبعضهم أُمّيٌّ، وفي ضخ أعداد جائرة من الطلاب، وفي الاستهتار بدور التنوير الفكري في الارتقاء بروح الطلبة وأخلاقهم.

الحل يتجاوز تعيين مجالس إدارات جامعات كـ"جوائز ترضية" للسياسيين السابقين، ويكمن بتشكيل مجلس من خبراء التعليم العالي في البلاد حالاً، ووضع خطة فورية لاستئصال "الأورام المتضخمة" في التعليم العالي، وضمان وجود قيادات علمية وأكاديمية محترمة شجاعة على رؤوس الجامعات، يضمنون استقلاليتها.

صحيح أنّ انتشار الجرائم والمعارك يعكس مخزوناً هائلاً من طاقة الغضب والإحباط والضغوط المتراكمة على المجتمع ونمو "الهويات الفرعية" القاتلة. لكن ما هو أصحّ أنّ الجامعات يفترض أن تأتي بالعلاج والحلول، لا أن تكون موطناً للجرثومة الحاملة للمرض!

اضافة اعلان

ما حدث في جامعة البلقاء يتعدّى حادثة فردية، إنه مؤشر على حالة عامة.