يا للخجل!

يكاد يمضي شهر على بدء اعتصام الفنانين الأردنيين، وسط حالة من التجاهل الرسمي المقصود، ومن دون أن يرف لأي مسؤول كبير أو صغير جفن، بالتفكير قليلاً في خطورة الدلالة المنبثقة من مثل هذا الاعتصام!اضافة اعلان
ممّا عمّق أحزان الفنانين والنجوم، وفاة زميلهم النجم الراحل عثمان الشمايلة، الذي عانى الإهمال والإعراض الرسمي إلى أن نال منه المرض ما شاء، ولم يستفق أحد من المسؤولين حتى رفعت نقابة الفنانين صوتها بالصراخ المرير لتأمين مصاريف علاج أحد أركان الفن الأردني، وكأنّ تأبين عثمان الشمايلة جاء بمثابة رسالة رمزية صارخة على عقوق الدولة بحق أبنائها المبدعين!
ما يزال الفنانون، رغم مرور كل هذا الوقت بلا نتيجة، صامدين في خيمتهم واعتصامهم، يزورهم المتضامنون من السياسيين والمعارضة، حتى من جماعة الإخوان، ومن مختلف الفعاليات، باستثناء الحكومة! في حين كانت الزيارة اليتيمة لوزير الثقافة، الذي أعلن أنّ موقفه شخصي (!)، وكأنّه يزور أعداء الوطن والدولة (مثلاً!)، في حين لم يكلّف الزميل العزيز وزير الإعلام سميح المعايطة، نفسه عناء التواصل مع زملائه الفنانين والمبدعين، فضلاً عن التضامن معهم وإيصال مطالبهم إلى صانع القرار!
هل يحتاج المسؤولون العباقرة لدينا إلى أن نشرح لهم أهمية الفن وقيمته ودوره وما يمثله من قوة ناعمة لأي دولة في المعمورة! أليس مما يندى له الجبين أن يتم إعداد ما يربو على عشرة أعمال درامية سورية، أغلبها بدعم مباشر وغير مباشر من الدولة، في ظل الثورة الشعبية العارمة! حتى الدول الدكتاتورية الأمنية القمعية التسلطية تدرك تماماً أهمية الفن وقيمته وضرورته، وفي مصر الثورة تم إنجاز الأعمال الدرامية الرمضانية، برغم حجم الفوضى السياسية!
نحن نتفنن في قتل المواهب والإبداع، في كل المجالات، ليس فقط لا ندعم الفنانين والأعمال الفنية والأدبية، بل حتى نحاربها على الشاشة الصغيرة، ونشتري بدلاً منها أعمالاً عربية أقل جودة؛ فإلى الآن "سلطانة" (وهو رواية أدبية أردنية معروفة لغالب هلسا) لم يعرض، ومثله أعمال أخرى!
ما هي مطالب الفنانين؟ تأمين صحّي، هل كثير عليهم ذلك! إعادة شركة الإنتاج التلفزيوني، هل يجب أن يكون مطلبا لهم أم للدولة! أليس معيباً ومخجلاً وفاضحاً ومخزياً (أضيفوا ما شئتم!) أن نقرأ بأنّ تكلفة بنزين سيارات الحكومة (ليس جميعها) خلال الأشهر الماضية فقط من العام تصل إلى 12.6 مليون دينار، بينما لدينا نجوم ومبدعون يمرضون فلا يجدون ثمن الدواء!
أعترف أنّني أشعر بالقهر والغضب، والقصة تتجاوز وقوفنا إلى جانب الفنانين، إلى قلقنا بأنّ دولةً لا تقدّر قيمة الفن ورسالته، بل وتحاربه، هي دولة نشعر بالخوف عليها ومنها! فهؤلاء بمثابة "العملة الصعبة" لدى دول العالم، أمّا لدى حكوماتنا فهم "بلا قيمة"!
محمود صايمة مات وهو يعاني، وربيع شهاب قصة تجاهل محزنة، وكذلك عثمان الشمايلة، بينما موسى حجازين نحت الجبال كي يعود إلى المسرح. أمّا من يبدع ويشتهر عالمياً ففي بلد آخر، لأنّه لو كان هنا لقتلناه! لدينا نجوم وفنانون يستحقون التكريم والكرامة، لا التجاهل والاحتقار، إن كان هنالك من يسمع أو يقرأ!

[email protected]