"يا ويلك يا ويل"

أن تركض بأمان الله في حياتك المصابة بالارتكاسات اليومية، والاحباط، وملاحقة فواتيرك، وقروضك، وهموم ايجار المنزل، وأقساط الاولاد المدرسية، ليأتيك خبر مباغت: مشاجرة في الجامعة الاردنية، ستقع في بركة الخيبة من كل شيء.اضافة اعلان
جامعة من أعرق جامعات المنطقة، تبدع في مشاجرة، بين مجموعتين تستندان الى فكرة بدائية عن الجماعة، والحياة ومعناها.
تتساءل في قرارة نفسك وانت مصاب بالغيظ والقهر: كيف حدث هذا في غفلة منا؟ من أوصل هؤلاء المصابين بنرجسية القوة، ومظاهر التخلف الى إغلاق هذا الصرح العلمي لمدة يوم، حتى يجري تجاوز محنة ابطال الوغى.
ثم ومن دون مواربة، تمسك اعصابك، وتتدحرج بسيارتك الكيا المهترئة، بعد أن تزرقها بخمسة دنانير بنزين، الى مقهى كي تفرغ شحناتك السلبية مما يرسمه الواقع المرير في وجدانك المهشم، فتجلس أيضا بأمان الله، وتنتظر ان تتنفس، حتى يلطمك صوت يغني “يا ويلك ويل”، ولا تفقد أعصابك، لانك بلا اعصاب اساسا، تجلس مستسلما للسطحية وازدراء كينونتك الباحثة عما يشجي روحك، ويخلصك من خبر المشاجرة، لكن لا شيء يحدث من هذا، تظل اغنية “يا ويلك ويل” تتردد في رأسك، وحتى حين تخرج من المقهى، ترددها انت كلازمة لشعورك الضاج بالوجع.
تنهال عليك صور المشاجرة من كل يوتيوب، تبحث عن مظهر حضاري فيها، مثلا، أن يكون المتشاجرون على قدر من الاناقة، فلا تجد، أن يكون هناك سبب عميق لاختلاق المشاجرة، فلا تجد، أن يكون مكان المشاجرة سوقا، مقهى، مكانا عاما، غير الجامعة الاردنية، فلا تجد، أن يكون السلاح المستخدم في المشاجرة، يشي بأننا في القرن الحادي والعشرين، فلا تجد، ثمة إشارات مريعة تقول إننا في عصر الصيد والقطاف.
وتردد مع صخب رأسك “يا ويلك ويل”؛ وأنت تلاحق نشرات الاخبار حول المشاجرة، ثمة تعتيم مريع، وكل ما تسمعه يأتي من مواقع التواصل الاجتماعي، واغلبها آراء تزيد من حجم الدمل في رأسك.
تتساءل بمرارة، كأنك في فقاعة صابون سيئة الصنع، تحتاج الى ترقيع: ما الذي يحدث؟ هل يعقل أن تكون طالبا جامعيا، وتحمل هذا القدر من السلوك البدائي، لترفع اسم بلدك بـ”قنوة” و”ساطور” مثلا؟
هل هذه هي “فورة الدم” التي ستدافع فيها عن حياضك؟ هل أوصلك هذا الصرح العريق الى هذا المستوى المنحدر من الوعي بقيمتك ككائن بشري، يحمل الموبايل، ويتعاطى مع الحياة بحداثة مستوردة؟ من فعل بك كل هذا؟ من حولك الى هذا الكائن الذي يصرخ “عليهم”، وكأنك قادم من العصر الحجري؟
تتساءل، وتتساءل: هل أنت أنت، ذلك الذي يلقي تحية الصباح على امه بحب ومودة؟ ويرى والده المنهك يستعد للذهاب الى نوبة حراسته في احدى المؤسسات؛ ليتقاضى آخر الشهر ما يسد به رمقك؟
ما معنى أن تجعل من أجمل مكان في عمان، صرح العلم والمعرفة، مكانا مريعا، لمجرد أن اثنين تشاتما مثلا؟ وأنت تمشي وتشتم وتصرخ، وتحول صرحك الاجمل الى ملاذ للرعونة، والترهيب؟
تتساءل كثيرا أيها الكائن الممزق بين أحلامك بعالم رشيق لا رماد فيه يذر في العيون، وألمك المنثور على أرصفة الفاقة: هل هذه سياسات التعليم التي تريد ان تنتج مواطنا صالحا، مشاركا في بناء الوطن بهمة وجدارة؟
وتقف متفرجا على رأسك الذي تتشاجر فيه أحلامك وآلامك معا: اين صرنا.. أين وصلنا، ومن الذي أخرج كل الشياطين من قمقمها، لتسوّد الصفحة البيضاء في حياتنا؟