يدفنون رؤوسهم في الطين

التحذير الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني في مقابلته مع صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية التي نشرت أمس، عن موقف اسرائيل من السلام واستمرار تعنتها، ما يهدد استقرار منطقة الشرق الاوسط كلها، وأن قادة اسرائيل ما يزالون يدفنون رؤوسهم في الرمال؛ نابع من رؤية شمولية لواقع المنطقة ومستقبلها إذا ما استمر التعنت الاسرائيلي، والمحاباة الاميركية الدائمة بدون النظر إلى العواقب الوخيمة لهذه المواقف وتأثيرها على مستقبل المنطقة، ومستقبل التعايش بين الشعوب في العالم، لأن المواقف الاسرائيلية  والاميركية المؤيدة لها على الدوام، لن تزيد من عزلة الدولتين، أو توسع قاعدة العداء لهما فقط، إنما ستفرز وبشكل حتمي عداء شعبيا قد يتحول إلى تطرف يعاني منه العالم كله ولسنوات طويلة مقبلة، وسيؤثر في مستقبل العلاقات بين الأجيال القادمة من أبناء هذه الشعوب.اضافة اعلان
المشكلة أن قادة اسرائيل ليسوا وحدهم من يدفنون رؤوسهم في الرمال، إنما الرئيس الاميركي باراك اوباما وإدارته يدفنون رؤوسهم أيضا في الطين عندما يتعلق الأمر باسرائيل، ويسدون آذانهم حتى لا يسمعوا، ويغلقون أعينهم حتى لا يروا، متجاهلين الأبعاد الخطيرة لما يقومون به. وتحذير جلالة الملك كان واضحا إذا ما أرادت اسرائيل الاستمرار بالعيش في عقلية القلعة، أو أن تتعامل مع محيطها معاملة الند. ولكل طريقة تختارها نتائج .. وعواقب.
ويبدو أن العقلية الصهيونية التي تتحكم في استراتيجية الحكومة الاسرائيلية تسير بعيدا عن السلام، وتغرق في أوهام العقيدة الصهيونية التوسعية التي ما يفتأ قادتها ومفكروها من تكرارها بين الحين والآخر، ضاربين عرض الحائط بكل المفاهيم والمعاهدات والأعراف، مبتعدين تماما عن فكرة السلم والسلام.
 وجاء مقال د. حاييم مسغاف في جريدة يديعوت أحرونوت، وهو محاضر في القانون، أن الانسحابات الاسرائيلية من الأرض المحتلة ليست خيارا والأرض مقابل السلام صيغة كاذبة، واتفاقات أوسلو حماقة كبيرة، كما هو الحال في الانسحاب من جنوب لبنان وغزة وسيناء. وقد لخّص المقال الفكر الصهيوني التوسعي الذي يسير عليه قادة اسرائيل منذ دافيد بن غوريون العمالي وانتهاء بنتنياهو الليكودي.
تحذير جلالة الملك جاء من معرفته الأكيدة بالأطماع الصهيونية في المنطقة، ومقاومة هذه الأطماع لا تتوقف عند الدور الرسمي، إنما يجب أن يكون هنالك دور فاعل للشعب الذي يجب أن يوجه كل نشاطه  وحراكه الشبابي وغير الشبابي إلى هذا الاتجاه المقاوم للأطماع الصهيونية في الأردن. وليس أهم من الحفاظ على الوطن في وجه العدو الرئيس وحمايته من أي طامع أيا كان. ولعل الالتفات إلى وحدتنا الوطنية وتقوية نسيجنا الاجتماعي أكثر فاعلية من البندقية في مواجهة عدو لن تتوقف أطماعه عند أي حد.
في مقابلته مع الصحيفة الأميركية قال جلالة الملك: "إنني متفائل جدا بالنسبة لمستقبلنا". ونحن بدورنا يجب ان نعزز هذا التفاؤل بالمزيد من الترابط الوطني، والعمل الداخلي الإيجابي بعيدا عن الرؤى الضيقة.