يسرا وماجد توبة

الأمر الثابت أن لا علاقة من أي نوع بين الزميل الصديق ماجد توبة والفنانة المصرية يسرا، وأشك أن الزميل حريص بشكل مثابر على متابعة أعمالها، وما تقدمه للتلفزيون أو للسينما، وحتى أكون صادقا فلربما قيض له أن يرى عملا أو أكثر بشكل عابر، وحقه أن يتابعها أيضا، ولا يملك كائن من كان أن يصادر منه هذا الحق.اضافة اعلان
ماجد توبة، من حقه أن يستهويه الفن والموسيقى، لأنه يؤمن أن الفن لغة الشعوب، وأن المسرح تعبير حقيقي عن التطور الفكري والحضاري والإنساني لكل مجتمع، وهذا لا يعني رمي أي فرد أو جهة تعتبر الفن غير ذلك بالنار، أو المطالبة بمحاسبتهم باعتبارهم ضد الحضارة، وإنما هي دعوة لحفظ حق أولئك في الحديث والتصريح بما يشعرون به من دون أن يسقطوا مفاهيمهم على المجتمع بشكل عام، ومن دون أن يطالبونا بالابتعاد عن الحضارة والتطور، ما يعني أن يحافظ أولئك على حقنا أيضا في قول ما نريد بما أننا نكفل لهم قول ما يعتقدون به.
ما دفعني للربط بين زميلي ماجد توبة والفنانة يسرا هو ما أظهرته ردود الفعل على مقال للزميل توبة في "الغد" بعنوان "يسرا.. عندما تنبش المسكوت عنه". وفيه تحدث عن وجهة نظره حول ما شهدته صفحات التواصل الاجتماعي من جدل مضخم إثر استضافة أمانة عمان الكبرى للفنانة يسرا في حفل عيد الأم، فدافع عن الفنانة والفن وعن الاستضافة أيضا.
ردود الفعل كشفت عن بواطن فكرية، عشعش فيها الكثير من الملوثات، أغلبها عادات وتقاليد أسبغت عليها ملامح دينية صنعوها هم، وحموها ودافعوا عنها، حتى باتت بالنسبة لهم جزءا من المقدسات، وبات من يقترب منها، يرمى بالفسق والدعوة للتعري وغيرها من تلك الصفات الجاهزة، التي يستحضرونها لمحاربة الحضارة والتنوير.
هؤلاء أنفسهم لا يعتبرون الفن فسقا فقط، وإنما يذهب بهم الأمر لاعتبار الشعراء والكتاب وغيرهم في ميزان الفاسقين وربما الزنادقة الداعين للإلحاد! وإلا بماذا نفسر الاعتداء على المبدع نجيب محفوظ، ومحاولات خنق والتشكيك بعباقرة مروا عبر سنوات منصرمة، أمثال محمود درويش ونزار قباني، وسميح القاسم، وأدونيس، وأبو القاسم الشابي، ومارسيل خليفة، وجبران، وأحمد شوقي، ومحمد الماغوط وحنا مينا، وغيرهم الكثير، ممن أثروا المكتبة العربية، وأضافوا قيمة إنسانية للعالم أجمع، واستطاعوا ترك بصمات وشمعة مضاءة، لأنهم آمنوا أن إنارة شمعة خير مليون مرة من لعن الظلام، كما يفعل أولئك.
حقيقة الأمر، أن ردود فعل أولئك على ما كتبه الزميل توبة، من دعوة للتأني والتفكير المنفتح والواعي، كشفت بوضوح أين يريد البعض أن يذهبوا بنا، ومدى قعر البئر الذي يريدون وضعنا فيها، ورفضهم لأي فكر، أو دعوة أو كلام عن التطور والحضارة، وإصرارهم الدائم على رؤية العالم من منظارهم، وهو المنظار الذي ما يزال يعتقد أصحابه أن العجلة لم تصنع بعد، وأن الحديث عن صعود بشر فوق سطح القمر هو ضرب من الكذب والافتراء والتدجيل، يقوم به الغرب حتى يزعزع قلوبنا!
شخصيا، لا أتفق مع سواد المواقف السياسية التي أعلنتها الفنانة يسرا عبر سنوات، كما لا أتفق مع بعض أعمالها الفنية، ومضمون تلك الأعمال، ولكني رغم عدم اتفاقي، فإنني لا أستطيع أن أنكر أهميتها كفنانة، وكإنسانة، وأهمية الفن كرسالة، وأهمية الكاتب والمثقف والشاعر، بما يحمله من فكر وحضارة وتنوير.
كفانا وضع رؤوسنا في الرمال، فالقضية عند أولئك ليست يسرا وحضورها، وإنما فكر يحمله البعض منا، يرفض الآخر، يشكك فيه، وربما يزندقه، ويكفره، فما جرى ناقوس خطر حقيقي، يدق أبوابنا، يدعونا للاستيقاظ، وإعادة النظر بكل تلك الأفكار السلفية التي تم حشو فكر المجتمع بها، والتي أثرت على أجيال كثيرة. ومن هنا، هذه دعوة لإعادة النظر بشكل تنويري بالمناهج التي تدرس، وإلا فإننا سوف نستفيق يوما على وجود أناس يرفضون الآخر، وربما لاحقا يجيزون ذبحه.