يعقوب زيادين.. سنديانة حمراء

إنه المعلم والانسان، الطبيب والسياسي، النائب والمعتقل، نائب القدس، وسجين الجفر، طبيب الفقراء ومعلم الكادحين، ابن سماكية الكرك، وحبيب اهل المدينة المقدسة. هو من علم كل من اقترب منه، او رافقه، بأن الطائفية والاقليمية والجهوية والعنصرية لا تصنع اوطانا، وان حب الوطن والدفاع عن الحرية والفكر لا يشيخان.اضافة اعلان
انه شيخ الشيوعيين وكبيرهم، انه سنديانة حمراء، وفي نفس الوقت، زنبقة بيضاء، مليئة بالحب والطيبة والوداعة والانسانية، انه.. يعقوب زيادين (أبو خليل)، الذي انتقل الى الرفيق الاعلى الاحد الماضي، ولم يبدل ولم يتراجع، رغم كل اولئك الذين مروا عليه وبدلوا تبديلا.
عندما سئل يوما: ماذا تكتب ولماذا، وقد شارفت على التسعين؟ قال: اكتب "لكي أذكر وأوصي أولئك الذين ما يزالون يؤمنون ان العدالة الاجتماعية لا بد لها ان تسود، وان قيم الحرية والديمقراطية والتقدم هي اساس تطور الشعوب"، اكتب لأولئك "الذين يناضلون في كل المواقع القريبة والبعيدة، بمن فيهم اولئك الذين وراء القضبان في سجون العدو الصهيوني المحتل لفلسطين، والذين سيخوضون النضال غدا، او بعد غد، من اجل قيم الاشتراكية العلمية، قيم الثقافة والمعرفة، قيم الحرية والتقدم والعدالة الاجتماعية وكل القيم التي تجمّل الحياة".
هو يعقوب زيادين، الذي لم يبدل ولم يتراجع، ولم تغيره السجون والمحن، هو من زرع في ثقافتنا السياسية والانسانية معنى ان تكون انسانا وقريبا من القلب والناس، وفي الوقت عينه، مدافعا شرسا وصلبا عن الديمقراطية وحرية الاخرين في القول والفكر والمعتقد.
هو قامة كركية، سقيت من ينابيع مقدسية، ونهلت من عيون الفكر الانساني، فنتج عنها سنديانة أممية، تدافع عن حق الفقراء في انغولا، كما تدافع عن حقهم في كولومبيا واليمن، فتفتحت شخصية حضرت في وجدان الجميع، فكان دوما قاسما مشتركا، وملاذا لكل رفاقه، الشاكين حينا، والمتذمرين حينا، والرافضين حينا، ولكنه كان دوما محافظا على جوهر موقفه وصلابة رأيه، وركازة وجهة نظره.
لم يكن شيوعيا وكفى، وقائدا وكفى، وطبيبا وكفى، وملهما وكفى، كان حاضرا في القرية والمدينة والمخيم، يتحدث لهجة الناس، ويتسامر معهم بنفس ما يتسامرون، ويؤثر فيهم بطريقته وبشخصيته، التي كانت مختلفة ومقربة من الجميع.
كان يكره الاقليمية والاقليميين، ويتأسف على اولئك الذين زاغوا عن الطريق الأممية الحقيقية، وذهبوا الى القطرية البغيضة، وكان بعضهم من رفاق الأمس، ولكنه كان يعرف ويقول دوما، ان الفكر بمثابة قطار يقف عند كل محطة وفي كل محطة ينزل من القطار اولئك المرتابون المشككون الخائفون التائهون، ويبقى الى نهاية الطريق اولئك الذين يؤمنون حقا، قولا وفعلا، بالعدالة الاجتماعية، والحرية والتقدم، وبالفكر الانساني الحضاري.
كان يعشق القدس كما يعشق عمان، ويحب الكرك كما يحب رام الله، ويتأثر لما يحدث في بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء وطرابلس، وغيرها، كما يتأثر بما يحدث في بيته الداخلي، فهو السنديانة التي كانت ترفض ان تكون قطرية او جهوية او لطرف دون آخر.
هو ابن الأردن وفلسطين، ابن اربد ورام الله، الكرك والخليل، عجلون واريحا، السلط ونابلس، ابن القرية والمدينة والمخيم، انه ببساطة ابن الوطن الاصغر والأكبر.
لمثل أبي خليل، قال الكبير الراحل توفيق زياد: "ازرعوني زنبقا احمر في الصدر وفي كل المداخل... واحضنوني مرجة خضراء تبكي وتصلي وتقاتل... وخذوني زورقا من خشب الورد واوراق الخمائل... إنني صوت المنادي... وأنا حادي القوافل... ودمي الزهرة والشمس وأمواج السنابل... وأنا بركان حب وصبا وهتافاتي مشاعل..أيها الناس لكم روحي... لكم أغنيتي... ولكم دوما أقاتل".
يعقوب زيادين.. ابو خليل.. ارقد بسلام. وللمناضلة التي لم تهزمها السنين، المكافحة معه على الدرب الطويل زوجته الرفيقة سلوى زيادين (ام خليل) طول العمر والبقاء.