يكشفون اخلاقهم قبل خصوصياتنا!

لست أعلق هنا على محتوى مقطع الفيديو الذي نُشر مؤخراً، على مواقع التواصل الاجتماعي، وتظهر فيه طفلة تبكي بحرقة لعدم نيلها لقب “نجمة الأسبوع”، كما أسلوب حديث الأب معها، وهو يصورها.اضافة اعلان
فمع اعتراضي على بعض ما جاء في ذلك الفيديو، والذي أوضح الأب أن الغاية من ورائه لم تكن سوى الفكاهة وتوثيق لحظة غضب الطفلة، دونما أي قصد للإساءة أو للمعنى الحرفي لبعض الكلمات التي قيلت أثناءه؛ إلا أن ما ينبغي أن نقف عنده هو تسرب الفيديو وانتشاره بهذه الطريقة.
فالفيديو، كما قيل، أُرسل ابتداء إلى “مجموعة العائلة” (Group)، وكان يُفترض أن ينتهي هناك فحسب، فلا يتحول كما حدث فعلاً إلى “غلطة” ثمنها غال جدا! إذ تسرب من قبل أحدهم، كان “السبّاق!” في نشره على مواقع التواصل الاجتماعي و”يوتيوب” خصوصاً، ليصل الجميع، ويغدو مبعث سخرية واستهجان في آن.
خطأ صغير، أو حتى “مزحة”، قد تكون سببا في تنغيص حياة أسرة بأكملها، وفي حالات قد تؤدي إلى تدميرها.
الفيديو نال نصيبه من التوصيفات الجارحة والأحكام التي طالت العائلة بأكملها، عدا عن وعظ ونصائح بات يدلي بها حتى عابرو السبيل الإلكتروني، بشأن طرق التربية السليمة. والأسوأ أن التجريح بألفاظ مسيئة من قبل البعض قد طال الطفلة ذاتها،عدا عن أنها أصبحت مادة دسمة للضحك والسخرية وكأنها “نكتة اليوم”!
وليست قصة هذه الطفلة استثنائية أو نادرة، بل هناك كثيرون ممن يقومون بتصوير أبنائهم وعائلاتهم في مشاهد يعتبرونها طريفة ومضحكة، ويقومون بإرسالها لأصدقاء وأقارب، وحتى معارف أحياناً، فتنتشر تلك المقاطع على العديد من مواقع التواصل الاجتماعي وتغدو خارج سيطرة أصحابها الأصليين تماماً، يتداولها أي كان بإعادة النشر، والتعليق، وإطلاق الأحكام، وأخطر من ذلك إساءة الاستخدام والتوظيف.
وبذلك يكون عصر التكنولوجيا الرقمية المتاحة للجميع، مجاناً في كثير من الحالات، عصرا “مرعباً” عند استباحته كل الخصوصيات، وبحيث تغدو معروضة على قارعة الطريق! وفوق ذلك قد لا يملك من تم تصويرهم الحق في الاعتراض، أو محاسبة من قام بالنشر، فكيف إن كان هؤلاء “الضحايا” أطفالا لا يدركون خطورة ما يحصل، حاضراً ومستقبلاً!
مع وسائل التواصل الاجتماعي وأدواته، أصبحت الحياة “مكشوفة” للجميع، لاسيما مع غياب الضوابط؛ الأخلاقية والقانونية، لدى كثيرين قد يكونون الأغلبية؛ يسعون إلى توثيق اللحظة بمنأى عن أي اعتبار لمحاذير كثيرة، والمسارعة إلى النشر الفوري ليكونوا “سبّاقين”، للإساءة وليس الطرافة كما يظنون.
يمكن لنا القول: كم سهلت حياتنا الأجهزة الحديثة والتكنولوجيا التي تتطور باستمرار! لكن في الوقت نفسه يصح القول تماماً أيضاً: كم جعلتها أكثر صعوبة، باستباحتها خصوصياتنا، ناهيك عن حرماننا الاستمتاع بما حولنا! كم نكون سذجاً حين نتعامل معها ببراءة، ليستغلها أشخاص ضدنا! كم نحن أسرى لها. وقبل ذلك، كم عرت من أناس بلا أخلاق ولا نخوة، يتسلون بظروف الآخرين الصعبة، أو أخطائهم غير المقصودة، ناهيك عن المساس بسمعة أبرياء.