يوجد "القليل" من الجديد تحت الشمس

أمير اورن-هارتس

 

اعتادت نكتة قديمة لكنها واقعية لدبلوماسيين اميركيين يخدمون في اسرائيل اثبات الفرق بين قواعد لعب الصحف في واشنطن وفي القدس: فثمة إرشادات للاقتباس واخرى للنسبة، ونوع آخر للخلفية فقط ونوع آخر – لخلفية "عميقة"، لا يجوز حتى استعمال موادها في توقيع المكتوب، أما هنا، فكل تلك الأمور موجودة، لكن الستارة بينها تُزال في غضون اسبوعين.

اضافة اعلان

الى أمس اعتادت وزارة الخارجية الاميركية أن تنشر مجلدات وثائقها بعد عشرات السنين. بلغت هذه المجلدات حتى الآن ادارتي نيكسون وفورد في السبعينيات. إن ما فعله موقع "ويكيليكس" هو في الحقيقة خصخصة للمجلدات، وبدل أن يكون ذلك بعد 35 سنة فقد أصبح بعد 35 دقيقة أو 35 اسبوعا على الأكثر.

كان في البرقيات القديمة تلك احيانا جواهر ولا سيما في فترات ولاية اشخاص حاذقين مثل هنري كيسنجر. وكان هناك في الأكثر رماد – فلا يقف وراء كل برقية شخص لامع. وكذلك ايضا في الوثائق الجديدة، بقدر ما يمكن أن نحكم من القليل الذي طُرح أمس بملعقة صغيرة من الكومة الكبيرة. يوجد الكثير جدا من التفاصيل الجديدة ولا يوجد الكثير من التغيير في الصورة الكبيرة المعروفة اذا استثنينا ربما زلّة لسان في شأن التجميع الاستخباري في اسرائيل – ما هو رقم الهاتف (للتنصت) وكيف يقررون عملية للجيش الاسرائيلي (من اجل الاحباط).

أحد اسباب ذلك مصدر الوثائق وغايتها أي وزارة الخارجية الاميركية. لقد هبطت عن عظمتها منذ زمن. لا يوجد اسرائيلي واحد من مائة يعلم أن كيننغ هام لم يكن اسم آخر مندوب سامٍ للانتداب البريطاني فقط بل من يتولى اليوم السفارة الاميركية في تل ابيب. ليس مهما، والسفارة التي يديرها ليست مهمة لعلاقات الدولتين (وكذلك ايضا سفارة اسرائيل في واشنطن). فالعلاقات المهمة تجري بين الرئيس الاميركي ومساعديه وبين رئيس الحكومة ومبعوثيه، وفي القنوات السرية للجهات الاستخبارية والأمنية ايضا. ما تزال المادة المخبوءة عما يجري في هذه القنوات لم تُسرب الى الآن؛ ربما في الاسبوع المقبل.

إن من توقع أن يرى تحت تصنيف "سري" كشوفا مدوّية في الحقيقة، خاب أمله. ففي حالات كثيرة تبدو لقاءات الموظفين الامريكيين مع نظرائهم الاسرائيليين، وفيها لقاءات رئيس الموساد مئير دغان ورئيس "أمان" عاموس يادلين مثل حفل صحافي. اسرائيل تخاف الذرة الايرانية. وبجدية. فشلت الاستخبارات الروسية: فلم تكشف عن البرنامج الذري السوري الذي قصفته اسرائيل في ايلول 2007. هذا أكثر إثارة للاهتمام لكنه ليس مصيريا.

تجري الاستعدادات للعمليات بعيدا عن اللقاءات التي تُبلغ عنها برقيات وزارة الخارجية الاميركية. في نهاية آب 2007 التقى دغان مع وليام بارنس، نائب كونداليزا رايس. تحدثا عن سورية ايضا لكنهما لم يتحدثا عن المنشأة الذرية التي كانت ستقصف بعد ايام قليلة. وقبل اشهر من ذلك، قُبيل زيارة رايس، طلبت اليها السفارة أن تداعب على نحو حسن وزير الحرب عمير بيرتس ونائبه افرايم سنيه، لمساعدتهم في التغلب على المعارضة العنيدة للجيش الاسرائيلي لإزالة الحواجز في المناطق. "المستوى المدني هو المستوى المدني والمستوى العسكري هو المستوى العسكري ولن يلتقيا أبدا". وكأن السفارة تُحدث ما قاله الروائي والشاعر الإنجليزي كيبلينغ عن الشرق في مواجهة الغرب.

في الحاصل العام، هذه مادة تثير اهتمام مُحبي الوثائق السرية، لكنها بعيدة عن السطور الساحقة وشتائم نيكسون في الشرائط المسجلة وكيسنجر في البرقيات. كان يمكن الانتظار سنين اخرى بعد؛ فالتخيل أكثر إثارة من الواقع.