"يوم أرض سعيد"..!

تثير كلمة "الأرض" في مجتمعنا جملة من الانطباعات تختلف باختلاف الأفراد. البعض يربطونها بقيم معنوية مثل العرَض والكرامة. والبعض يفكرون بالمعنى الوطني. وآخرون يفكرون بها كقيمة تجارية قابلة للتحويل إلى نقود ونفوذ. وفي إطار أعقد، يحلل الكثيرون أزمة منطقتنا الدامية من منظور الحدود، وعلاقات المجموعات الطائفية والعرقية بالأرض التي يعيشون عليها والكيانات التي تحكمها. وعالمياً أيضاً، تتصل الصراعات والاحتلالات إلى حد كبير بالنفوذ على الأرض والتحكم بها وبمن عليها. لكن هذا الظهور الغامر لعنصر "الأرض" في الحراك البشري العالمي يغفل جانباً وجودياً ينتبه إليه القليلون في العالم -ولا نكاد ننتبه إليه نحن كما يبدو.اضافة اعلان
يوم الجمعة، 22 نيسان (أبريل)، لم نلتفت في الأردن تقريباً لمناسبة "يوم الأرض العالمي" التي صادفت ذلك اليوم. وكان الإعلام في الغرب مهتماً طوال الأسبوع الماضي بزيارة عنوان عمل الإنسان بالبيئة، ويتعقب علاقاته مع كوكب الأرض الذي يؤسس لوجوده نفسه، وحيث الإنسان غالباً شريك غادر. وفي المقابل، كانت الإشارات الوحيدة للمناسبة عندنا هي رسالة من "فيسبوك" لأفراد مجتمعه تقول: "يوم أرض سعيد"، وفيها رسم متحرك لأناس يروون شجرة؛ ورسالة محلية على الهاتف، تقول: "للإبلاغ عن المخالفة البيئية على 911. الإدارة الملكية لحماية البيئة".
بغض النظر عن الأبعاد الفلسفية والأنثروبولجية للعلاقة بين الأرض والإنسان، فإن لنا علاقات يومية بالأرض أكثر قرباً تسير على عواهنها وبلا كثير من التأمل. وعلى سبيل المثال، تشير رسالة إدارة حماية البيئة المذكورة إلى أن لدينا قانونا ينتظم علاقاتنا بالبيئة، ولا نكاد نعرف عنه. لكننا نلاحظ قطعاً عندما نرتاد مكاناً للتنزه كيف يعيث الرواد فيه فساداً. وفي مفارقة غريبة، لن تكون كائنات فضائية غيرنا نحن –كمجموع- هي التي تملأ تلك الأماكن بالنفايات. ومع ذلك، نشكو نحن –كمجموع- من قلة ذوق "الآخر" من عبث ذلك الفاعل المجهول.
هناك على المستوى الوطني، شعار "نحو أردن أخضر عام 2000"، الذي استشرف تغييراً في مشهد البلد كله في بداية هذه الألفية. لكن ذلك المشهد تغير بعكس ذلك تماماً وعلى نحو يتعذر تغييره. وعلى سبيل المثال، كانت في حيَّنا في عمان في أواخر التسعينيات مساحة بين البيوت ما تزال تحتفظ بأشجار الصنوبر والخروب القديمة، لكن آخر شجرة هناك قُطعت منذ بضع سنوات وأخلت مكانها لعمارات الإسمنت. ولمن يعرف عمان القديمة والحالية، سيصف كيف اغتيلت مساحات الخضرة في العاصمة تباعاً بالتوسع في اتجاه المناطق التي كانت خضراء، وتحولت إلى الصفرة والبياض.
بعيداً عن البعد الجمالي والروحاني، تعني الخضرة في الأردن استجلاب المطر شديد العطش للماء؛ وتعني المساحات الخضراء بعض الأمن الغذائي وتقليل الاعتمادية على الخارج في شأن استراتيجي؛ وتعني الأشجار مساعدة السياحة في بلد يفترض أن تكون السياحة واحداً من أهم موارده. وهذه كلها اعتبارات عملية تجعل تعاملنا غير الصديق للبيئة سبباً للمزيد من الفقر والمشقة. وفي زمن ليس بعيداً، كان المواطن –حتى في عمان نفسها- يستطيع أن يمشى مسافة قصيرة ليشتري خضاراً ملتقطة مباشرة من الحقل، لكن مذاق تلك الأيام والأشياء أصبح ذكرى بعيدة في زمن المذاقات الرديئة للمنتجات المنقولة بالبرادات.
قليلون هم الذين يحتفظون بشيء يريدون التخلص منه حتى يودعوه حاوية أو سلة نفايات –إذا توفرت في الأماكن العامة. لكن الأكثر شيوعاً هو التخلص من الشيء مباشرة وفي أي مكان، من شرفة المنزل أو نافذة السيارة أو على رصيف الجيران. وغالباً، نتنصل من حصتنا في سوية نظافة أحيائنا ونشكو أيضاً من سوء الخدمات. أما قتلة الأشجار من المحتطبين وأصحاب الرعي الجائر، فمشاركون في تآمر على الذات والآخرين بطريقة لا تختلف أخيراً عن القتل المباشر لمواطنيهم.
لعل من حسن الطالع أننا نتدبر أمر النجاة من أشرس عدو للبيئة والحياة: الحرب. لكن ذلك لا يعفينا من الانتباه الواعي إلى علاقاتنا بالبيئة التي ربما نعاديها دون أن ندري وندفع نحن أخيراً ثمن العداء. و لعلنا نحتاج بوضوح إلى وضع هذه الأبعاد من علاقتنا بالبيئة بين الأولويات، سواء على مستوى التخطيط الوطني الاستراتيجي، أو على مستوى تغيير الثقافة في اتجاه علاقة أكثر صداقة واحتراماً مع الأرض.