يوم في نيويورك

على طاولة العالم هذا الأسبوع، وأمام رؤساء الدول والحكومات الذين يزيد عددهم على 120 في أروقة الأمم المتحدة، أربع قضايا كبرى: مستقبل ليبيا الديمقراطي، وسلامة برامج الطاقة النووية المدنية، والقحط في القرن الأفريقي، والقضية الفلسطينية. إلا أن استحقاق الدولة الفلسطينية، ورقمها 194 عالميا، سوف يطغى على خطابات وكواليس العالم وزعمائه، ليس حبا في الشعب الفلسطيني، ولا لسواد عينيه، بل لأن الاحتلال الإسرائيلي هو آخر احتلال قائم في العالم، ولأن القضية الفلسطينية هي الأعدل في العالم، والأهم من كل هذا وذاك الفرصة الأخيرة لسحب القضية الفلسطينية من الاحتكار الأميركي ووضعها في حضن العالم من خلال تدويلها.اضافة اعلان
الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي سيلقي خطابا اليوم، سوف يسترجع الكاريزما الخطابية والحضور الإعلامي اللذين من خلالهما حقق النصر في الانتخابات الأميركية السابقة. فصحيح أن نجمه آخذ بالأفول، وفي فترات كثيرة نسي العالم أن هناك زعيما أسود من أصول إسلامية يحكم البيت الأبيض، وجاء بخطاب ديمقراطي كرره أكثر من مرة معربا عن ثقته بإمكان تحقيق حل الدولتين لتسوية النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، وأن هذا الحل ينص على وجود دولة يهودية إلى جانب دولة فلسطينية ذات سيادة؛ إلا أن أوباما يرجع القهقرى على المسرح الدولي تحت ثقل التوقعات السلمية في الشرق الأوسط التي وضعها بنفسه في خطابه أمام الأمم المتحدة العام الماضي، ولن تنفع معه المحسنات البديعية الذي سيلفت الانتباه إليها خلال حديثه عن الانتفاضات التي أطاحت الطغاة وعجلت بالديمقراطية في الشمال الأفريقي والشرق الأوسط، ولا عن الرغبة في إعلاء شأن التدخل الدولي في ليبيا باعتباره قصة نجاح لقوة الوحدة والاستراتيجية.
هل تذكرون ماذا أعلن أوباما في أيلول (سبتمبر) الماضي في التوجه نحو اتفاق متفاوض عليه يتعلق بدولة فلسطينية ذات سيادة "علينا أن نمد أيدينا إلى ما هو الأفضل بين أنفسنا، وإذا نحن فعلنا ذلك عندما نعود إلى هنا العام المقبل، فإنه يكون لدينا اتفاق يؤدي إلى عضو جديد في الأمم المتحدة"؟
لكن توقعات أوباما خابت، وانهارت المحادثات الفلسطينية-الإسرائيلية، وهو في طريقه إلى لحس كل طروحاته من خلال "الفيتو" الأميركي المتوقع الذي سيواجه به الحلم الفلسطيني.
يعرف الفلسطينيون أن اللجنة الرباعية الدولية برئاسة سمسار السياسة الأميركية توني بلير التأمت قبل يومين في نيويورك على مستوى المبعوثين في مسعى لإيجاد صيغة توفيقية تمنع التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة. ويعرفون أيضا أن الإدارة الأميركية تعتبر هذا التوجه الفلسطيني عديم الجدوى، وأن "هذه المحاولة أحادية الجانب لإقامة دولة فلسطينية، ستسفر عن مشاكل جديدة في الشرق الأوسط"، لكنهم يعرفون بالتأكيد أن هذا التوجه، ليس كما يقول المناضلون الجدد، بأنه "مجرد علم فلسطيني يرتفع فوق مبنى الأمم المتحدة".
رغم أن الكولسات الإسرائيلية والأميركية والأوروبية (وفي السياق العربية أيضاً) تهدف إلى إفراغ محطة أيلول (سبتمبر) من أي مضمون سياسي يشكل قوة جديدة للفلسطينيين، وتحويل هذه المحطة إلى خطوة رمزية ليس إلا، تعود الأمور بعدها إلى سابق عهدها أي إلى طاولة المفاوضات، طبقاً لاقتراحات وآليات ما قبل استحقاق أيلول، إلا أن الفلسطينيين يستطيعون البناء على هذا الإنجاز الكبير، وتكريسه محطة تشكل نهاية لمرحلة سياسية ماتت بعد أن وصلت فيها المفاوضات إلى الطريق المسدود، وتشكل في الوقت نفسه بداية لمرحلة سياسية جديدة يتبنى فيها الفلسطينيون سياسة جديدة، تبقى العملية السياسية عنوانها العريض. لكن العملية السياسية لا تعني خياراً وحيداً، أي المفاوضات، بل تعني الفتح على مجمل الخيارات، وتوحيد اتجاهاتها السياسية لتصب كلها في معركة الفوز بالاستقلال.
إذا كان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر يشدد على حق الفلسطينيين في أن تكون لهم عضوية كاملة فى الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأنهم قد يندمون إذا تراجعوا عن مساعي الاعتراف بدولتهم، حتى قال "إن خسارة المعونة الأميركية لن تكون بحجم خسارة عدم الاعتراف الدولي في الأمم المتحدة بدولة فلسطين، ويمكن للفلسطينيين أن يعيشوا من دون المعونة الأميركية"، فلماذا يناكف البعض "إنها مجرد علم".