10 سنوات من التقلبات الاقتصادية

سلامة الدرعاوي

أكثر من عشر سنوات مضت على الربيع العربي، الذي كان له تداعيات وخيمة على الاقتصاد الوطنيّ، دفع ثمنها بتقلبات حادة أثرت في نموّه الاقتصادي ونشاطه الإنتاجي بشكل سلبي، وما زال يدفع ثمن تداعياتها لغاية يومنا هذا.

اضافة اعلان


عشر سنوات كان لها أثر كبير على ملف الطاقة الذي ارتفعت فيه أسعار النفط العالميّة في بداية العقد الماضي إلى ما يقارب الـ147 دولاراً لبرميل النفط، وفي نفس الوقت انقطع الغاز المصري عن المملكة لأسباب إرهابية، كلّفت الاقتصاد الوطني مديونية تزيد على الـ5 مليارات دينار نتيجة لجوئه لتلبية معظم احتياجاته من المحروقات بأسعار عالمية في ذلك الوقت.


الأوضاع الأمنية السلبية في المنطقة أثرت على تدفقات السياحة في المملكة بشكل كبير، حيث وصل الدخل السياحي في العام 2012 إلى أدنى مستوياته منذ سنوات (750 مليون دولار)، وهي أرقام ناتجة عن تراجع قدوم السياحة الأجنبية مع هبوط صافي دخل السياحة الخارجيّ.


حتى حركة التحويلات الأجنبية وخاصة تحويلات المغتربين تعرضت لهزات عنيفة لاسيما تلك التي تأتي من دول الخليج العربية والتي شهدت هبوطاً في مستوياتها بأكثر من 10 % في السنوات الأولى من العقد الماضي نتيجة الأوضاع الأمنية غير المستقرة في المنطقة.


والتدفقات الاستثماريّة هي الأخرى لم تسلم من التراجع المرتبط بتطورات الاوضاع الأمنية في المنطقة، فقد هبطت تلك التدفقات بأكثر من 60 % في السنوات الأولى من العقد الماضي، وهذا ما يفسر احد أسباب تنامي معدّلات البطالة لمستويات قياسية (25 %) وارتفاع معدّلات الفقر (28 %)، وذلك بسبب تراجع قدرة القطاع الخاص على التوظيف وخلق فرص عمل جديدة.


الأمر لم ينته عند هذا الحد، فالأوضاع الأمنية والاضطرابات وانعكاساتها الداخليّة أدت إلى تنامي معدّلات الإنفاق العام الذي كان غالبيته لأسباب أمنية وشعبوية، وهو ما تسبب في استمرار زيادة عجز الموازنة العامة وعدم التقيد أو الالتزام ببنود قانون الموازنة، وهذا ما لاحظه الجميع على الدين العام الذي تضاعف في السنوات العشر الماضية ووصل إلى ما هو عليه الآن.


المحصلة أن الاقتصاد في السنوات العشر الماضية لم يحقق نمواً بأكثر من 2 %، وهي معدّلات نموّ بطيئة لا تتناسب أبداً مع الاحتياجات الاقتصاديّة الفعلية للاقتصاد الوطنيّ والتي تتطلب نموّاً لثلاثة أضعاف النموّ المتحقق فعليا خلال السنوات الماضية.


التحديات السابقة التي عصفت بالاقتصاد الوطنيّ، لا يمكن معالجتها بين ليلة وضحاها، ولا من خلال حكومات مسيرة للأعمال لا تمتلك رؤية اقتصادية متوسطة وطويلة المدى، ولا بفريق اقتصادي حكومي غير متجانس أو متفق على الحد الأدنى من متطلبات الإصلاح.

فالتحديات والتقلبات تركت آثاراً عميقة في الاقتصاد، وتداعيات سلبية على عجلة الإنتاج وقدرة القطاع الخاص على النموّ والتوسع الاستثماري، والذي هو بحاجة إلى مأسسة حكومية في التعامل مع التحديات وبرنامج اقتصادي طويل يعالج التشوهات التي خلفتها تلك التحديات على القطاعات الإنتاجية المختلفة، وتتصدى لتلك التراكمات السلبية التي تعرض لها الاقتصاد بأسلوب عملي وواقعي بعيداً عن التنظير والفهلوات الاقتصاديّة التي يمارسها البعض من المسؤولين.

 

المقال السابق للكاتب 

للمزي من مقالات الكاتب انقر هنا