10 سنوات على "أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" وماذا بعد؟

تهاني روحي لعل مرور عقد من الزمن على « أسبوع الوئام العالمي بين الأديان» وهو حدث سنوي انطلق بمبادرة جلالة الملك ليُحتفل به خلال الأسبوع الأول من شهر شباط عالميا، يستدعي منا وقفة لتقييم التجربة على ما تحقق على أرض الواقع، وماذا بعد؟ ونحن نلج العقد الثاني هذا العام. وكقادة فكر، ومؤثرين مجتمعيين او قادة أديان، استطعنا من خلال التجربة أن نشارك بالحوارات الإيجابيّة والبنّاءة السّائدة في مجتمعنا، وأن نتشارك البصائر حول سبل الوصول لرؤية جماعيّة موحّدة نحو مجتمع مزدهر روحانيًّا وماديًّا. فالجهود التي تمت على مدار العقد الماضي في ترسيخ ثقافة العيش المشترك من منطلق أن التعايش لا يمكن اختصاره في التسامح الديني وتقبّل الآخر فحسب، وإنما يتطلب أيضًا أن نرى أنفسنا كأعضاءٍ لمجتمع واحد، هي جهود رائعة. كما اننا لا ندعو للتشابه وإنما التنوع والاختلاف والتقبل، بمعنى التفاعل والتعايش بين أفراد المجتمع وتعددها في الفضاء الواحد. وبالمقابل، فإن العلاقة مع الآخر لا يمكن أن تؤدي دورها المنشود، إلا إذا تأسست على قاعدة احترام متبادل بين جميع الأطراف، واحترام لوجهة نظر الجانب الآخر، وإن لم يقبل به، لأن الهدف ليس هو السعي وراء الاتفاق الكلي، وإنما هو ربط العلاقات مع الآخر لإثراء الفكر، وترسيخ قيم التسامح. ولعل جائحة كورونا قد خلقت فرصا كثيرة لهذه الحوارات ولأنشطة أسبوع الوئام في العامين الماضيين. وجعلتنا ندرك أهمية التفكر حول ما يمكن عمله من منطلق المسؤولية الفردية والمجتمعية. فالوعي الجماعي بمصيرنا المشترك قد زاد، وتعزز شعورنا بأننا يجب أن نتكاتف جميعا للخلاص من هذه المحنة بأقل قدْر من المعاناة. وكنا على يقين تام بأنه مهما بلغت صعوبة الأمور في الوقت الحاضر، ومع أنّها شارفت على بلوغ الحدود القصوى لتحمّل بعض أجزاء المجتمع، فإنّ الإنسانيّة ستعبُر نفق هذه المحنة في نهاية المطاف، لتظهر على الجانب الآخر وقد اكتسبت رؤيةً أوضح وتقديرًا أعمق لوحدتها وترابطها المُتبادَل. ولكن هل كان دور رجال الدين ومنظمات المجتمع المدني والاعلام والناشطين المجتمعيين في ترسيخ هذا الأمل في ظل اليأس المستشري في النفوس كافيا؟ هل تم التشديد على قيم التكافل الاجتماعي؟ هل ألقت حوارات الأديان او الحوارات المجتمعية الضوء على الخصال الأخلاقية المصاحبة لجائحة كورونا؟ وهل استطاعت أسابيع الوئام أن توجه تفكيرنا في اسئلة جوهرية: كالهدف من حياتنا، وترتيب اولوياتنا، وما هي الجوانب القيمية التي نحتاجها في هذه الأزمة؟ كما قد نحتاج لوقفة، لاعادة النظر في طريقة تعاطينا مع مواضيع تخص العقيدة والدين، خاصة ان المناهج الدراسية لم تبرز قيمة غنى التنوع بكافة اطيافه العرقية والدينية، ناهيك عن الحرية الكاملة على وسائل التواصل الاجتماعي للحوار قد فتحت الباب لنقاشات جدلية. وهنا تقع على عاتق قادة الأديان مسئولية كبيررة لمنع الممارسات الازدرائية وأن يرشدوا أتباعهم، قولاً وفعلاً إلى العيش المشترك مع جميع مكونات المجتمع. لان التدابير القانونية وحدها لن تكون قادرة على استئصال التعصبات بل هي مسؤولية مجتمعية للمساهمة في خلق ثقافة من الاحترام وتبادل المعرفة لدعم مبادئ البحث المستقل عن الحقيقة. إن نشر ثقافة الوئام المحبة ليس حكرا على فئة دون الأخرى، بل هو واجب لكل شخص. وعليّ اذن أن أتفكر كيف ممكن ان نرعى بيئات ينمو فيها الاطفال دون ملوثات من شتى انواع التعصبات، وكيف يمكن اشراك الشباب الملتزمين بإقامة مجتمع قائم على ترسيخ قيمة المواطنة والعدل في حوارات وطنية. مثل هذه الحوارات ستساعدهم على تنمية قدراتهم لقراءة واقعهم، وتحليل قوى البناء والهدم التي تعمل في المجتمع وفي تعزيز الوعي بأفكارهم وأفعالهم، ممّا يعزّز انتمائهم. التدابير القانونية وحدها لن تكون قادرة على استئصال التعصبات بل هي مسؤولية مجتمعية للمساهمة في خلق ثقافة من الاحترام وتبادل المعرفة. فالإنسان عدوُّ ما يجهل، ويرسم كلُّ واحد لنفسه صورة عن الآخر انطلاقاً من مخاوفه وشكوكه، وغالبا يرسمها بصورة دفاعية، بدلاً من أن يرى في الآخر شريكاً له في البناء. وبالرغم من الجهود الجميلة التي يبذلها الأفراد والمؤسسات وقادة الأديان، الا أننا ما نزال في حاجة ماسة لمساعٍ أكثر تأثيراً ومنهجية لنرتقي بهذا الحوار المجتمعي ليشمل طيفاً أوسع من أبناء المجتمع، لأن الارتقاء بالفكر يؤدي إلي ارتقاء السلوك.

المقال السابق للكاتبة

للمزيد من مقالات الكاتبة انقر هنا 

اضافة اعلان