10 صراعات تجدرُ مراقبتها في العام 2020 (3)

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصافح نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون في قرية بانمونجوم الحدودية – (أرشيفية)
الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصافح نظيره الكوري الشمالي كيم جونغ أون في قرية بانمونجوم الحدودية – (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

روبرت مالي* - (فورين بوليسي) 26/12/2019
لم يعد الأصدقاء والأعداء، على حد سواء، يعرفون أين تقف الولايات المتحدة. وبينما تفرط واشنطن في بذل الوعود وفي النكث بها، تسعى القوى الإقليمية إلى إيجاد الحلول لمشكلاتها بمفردها -سواء كان ذلك من خلال العنف أو الدبلوماسية.
* * *
ليبيا
تهدد الحرب الجارية في ليبيا بالمزيد من التدهور في الأشهر المقبلة، بينما تعتمد الفصائل المتناحرة بشكل متزايد على الدعم العسكري الخارجي لتغيير ميزان القوى. وما يزال خطر العنف الشديد مخيماً على سماء البلد منذ تقسيمه بين إدارتين متوازيتين في أعقاب الانتخابات المتنازع عليها في العام 2014. وقد تعثرت محاولات الأمم المتحدة لإعادة توحيد البلد، وقُسمت ليبيا منذ العام 2016 بين حكومة رئيس الوزراء فايز السراج المعترف بها دوليًا في طرابلس، وحكومة أخرلاى منافسة في شرق ليبيا. وأنشأ تنظيم "داعش" موطئ قدم صغير لنفسه في البلد، لكنه هزم. وتقاتلت الميليشيات على البنية التحتية النفطية الليبية في منطقة الساحل؛ وتزعزع الاشتباكات القبلية استقرار الصحراء الجنوبية الشاسعة للبلد. لكن القتال لم ينفجر حتى الآن إلى مستوى مواجهة واسعة النطاق.
مع ذلك، اتخذ الصراع خلال العام الماضي معطفاً خطيراً جديداً. ففي نيسان (أبريل) 2019، ضربت القوات التي يقودها خليفة حفتر والمدعومة من الحكومة في الشرق، حصاراً على طرابلس، واضعة البلاد على شفا حرب شاملة. ويزعم حفتر أنه يحارب الإرهابيين. ولكن، في حين أن بعض خصومه من الإسلاميين، فإنهم في الحقيقة نفس الميليشيات التي هزمت "داعش" بدعم من الولايات المتحدة وغيرها من الغربيين منذ ثلاثة أعوام.
شكلت ليبيا منذ وقت طويل ساحة للمنافسات الخارجية. وفي الفوضى التي أعقبت الإطاحة بالزعيم السابق معمر القذافي في العام 2011، طلبت الفصائل المتنافسة الدعم من رعاة أجانب. وغلفت الخصومات الإقليمية الانقسام بين الحكومتين المتنافستين وائتلافيهما العسكريَّين؛ حيث دعمت كل من مصر والإمارات العربية المتحدة القوات التي يقودها حفتر، ودعمت تركيا وقطر الجماعات المسلحة الموالية للسراج في غرب البلد.
ولم يجد هجوم حفتر الأخير دعماً من القاهرة وأبو ظبي فحسب، وإنما أيضاً من موسكو التي زودت حفتر بالمساعدات العسكرية تحت غطاء شركة أمنية خاصة. ومن جهته، قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي دعمت إدارته حكومة السراج وعملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة منذ توليه منصبه، بعكس مساره في نيسان (أبريل) 2019، بعد اجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. كما زادت تركيا بدورها من دعمها لطرابلس، وساعدت على تجنب سقوطها حتى الآن في يد حفتر. وتهدد أنقرة الآن بالمزيد من التدخل.
نتيجة لذلك، لم يعد الخصوم في النزاع مجرد جماعات مسلحة في طرابلس تتصدى لهجوم يشنه قائد عسكري صعب المراس. بدلاً من ذلك، تقف الطائرات والمسيّرات الإماراتية، والمئات من المتعاقدين العسكريين الروس، والجنود الأفارقة الذين تم تجنيدهم في قوات حفتر، في وجه المسيَّرات والعربات العسكرية التركية، في ما يثير شبح تصاعد معركة بالوكالة على البحر المتوسط.
كما يعيق تزايد الجهات الفاعلة المتدخلة في البلد الجهود الرامية إلى إنهاء سفك الدماء. ويبدو أن المحاولة التي قادتها الأمم المتحدة في برلين لإعادة الأطراف الليبية إلى طاولة المفاوضات تفشل. أما ما إذا كان مؤتمر السلام الذي تأمل الأمم المتحدة وألمانيا عقده في أوائل العام 2020 سيعقد أم لا، فغير واضح الآن. وقد وجد الأوروبيون أنفسهم مأخوذين بالمفاجأة. وكان شاغلهم الرئيسي هو محاولة ضبط تدفق المهاجرين، لكن الخلافات بين الزعماء حول كيفية التدخل سمحت للاعبين الآخرين بتأجيج صراع يقوض بشكل مباشر مصلحة أوروبا في ليبيا مستقرة.
لإنهاء الحرب، يتعين على القوى الأجنبية التوقف عن تسليح حلفائها الليبيين والضغط عليهم للانخراط في المفاوضات، لكن احتمالات حدوث ذلك تبدو باهتة. وقد تكون النتيجة سيادة جمود أكثر تدميراً أو استيلاء على طرابلس يمكن أن يؤدي إلى قتال طويل الأمد بين الميليشيات، بدلاً من جلب حكومة واحدة مستقرة.
* * *
الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل والخليج
تصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل خطير في العام 2019؛ ويمكن أن يجلب العام المقبل هذه المنافسة إلى نقطة الغليان. ولم يتسبب قرار إدارة ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي للعام 2015 وفرض عقوبات متصاعدة أحادية الجانب ضد طهران في جلب تكاليف باهظة فحسب، وإنما لم ينتج عنه حتى الآن ذلك الاستسلام الدبلوماسي الإيراني الذي تسعى إليه واشنطن، ولا الانهيار الداخلي الذي قد تأمل في تحقيقه. بدلاً من ذلك، ردت إيران على ما تعتبره حصاراً شاملاً من خلال زيادة تدريجية في إعادة تشغيل برنامجها النووي، في انتهاك للاتفاقية، وباستعراض عضلاتها الإقليمية بجرأة، وبقمع أي مقدمات لحدوث اضطرابات داخلية بحزم. كما تصاعد التوتر أيضاً بين إسرائيل وإيران. وإذا لم يتم كسر هذه الدورة من العنف، فإن خطر حدوث مواجهة أوسع نطاقاً سوف يرتفع فحسب.
جاء تحول طهران من سياسة أقصى قدر من الصبر إلى سياسة أقصى درجات المقاومة نتيجة لإلقاء الولايات المتحدة بواحدة من أقوى البطاقات في حزمة أوراقها الإكراهية: إنهاء الإعفاءات المحدودة مسبقاً لمبيعات النفط الإيرانية. وفي ظل رؤية القليل من تخفيف العقوبات من الأطراف المتبقية في الصفقة النووية، أعلن الرئيس حسن روحاني في أيار (مايو) أن حكومته ستبدأ في انتهاك الاتفاقية تدريجياً. ومنذ ذلك الحين، عبرت إيران الحدود القصوى لمعدلات تخصيب اليورانيوم وأحجام المخزونات لديها، وبدأت في اختبار أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، وأعادت تشغيل مرفق التخصيب في مخبأ فوردو المحصن.
مع كل خرق جديد للاتفاق النووي، قد تُفرغ إيران مكاسب الاتفاق في مجال حظر الانتشار النووي من محتواها إلى الحد الذي يقرر فيه الموقعون الأوروبيون أنه يتعين عليهم فرض عقوباتهم الخاصة عليها. وفي مرحلة ما، قد يدفع التقدم الذي تحرزه إيران في المجال النووي إسرائيل أو الولايات المتحدة إلى اللجوء إلى العمل العسكري.
أكدت سلسلة من الحوادث التي وقعت في الخليج في العام الماضي، والتي بلغت ذروتها في الهجوم الذي شُن في 14 أيلول (سبتمبر) على منشآت الطاقة السعودية، الكيفية التي انتعشت بها المواجهة الأميركية-الإيرانية في جميع أنحاء المنطقة. وفي الوقت نفسه، فإن الضربات العسكرية الإسرائيلية المتكررة ضد الأهداف الإيرانية والمتصلة بإيران داخل سورية ولبنان -وكذلك في العراق وحوض البحر الأحمر، وفقا لطهران- تفتح جبهة جديدة وخطيرة. ويمكن أن تنفجر أي من نقاط الوميض هذه، عن قصد أو عن طريق الصدفة.
دفع الاعتراف بالمخاطر العالية وتكاليف الحرب بعض خصوم إيران في الخليج للسعي إلى وقف التصعيد، حتى مع استمرارهم في دعم نهج "أقصى الضغط" الذي تطبقه إدارة ترامب. وقد فتحت الإمارات العربية المتحدة خطوط اتصال مع طهران، ودخلت المملكة العربية السعودية في حوار جاد مع الحوثيين في اليمن.
كما دفعت احتمالية انفجار الصراع أيضاً إلى بذل جهود بقيادة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمساعدة الولايات المتحدة وإيران على إيجاد حل دبلوماسي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الحريص على تجنب الحرب، مستعداً لسماع اقتراحه، كما أن الإيرانيين مهتمون أيضاً بأي اقتراح يجلب لهم بعضاً من تخفيف العقوبات.
ولكن، مع انعدام الثقة العميق، يميل كل جانب إلى انتظار الطرف الآخر لتقديم التنازل الأول. وما يزال من الممكن تحقيق انفراجة دبلوماسية لتهدئة التوترات بين دول الخليج وإيران أو بين واشنطن وطهران. ولكن، بينما تخلف العقوبات حصيلتها على طهران وتقوم إيران بالرد، يبدو أن الوقت أمام الحل آخذ في النفاد.
* * *
الولايات المتحدة وكوريا الشمالية
أيام العام 2017، عندما أهال الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون الإهانات والسّباب على بعضهما البعض وتبادلا التهديدات بالإبادة النووية، بدت بعيدة جداً خلال معظم العام 2019. لكن التوترات تتصاعد مع ذلك.
تسببت مخاطر العام 2017 في جعل العام 2018 وأوائل العام 2019 أكثر هدوءاً. فقد أوقفت الولايات المتحدة معظم التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، وأوقفت بيونغ يانغ اختباراتها الصاروخية بعيدة المدى وتجاربها النووية. وتحسنت العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية إلى حد ما مع عقد مؤتمري قمة بين ترامب وكيم. وأصدر اللقاء الأول -في سنغافورة في حزيران (يونيو) 2018- بيانًا مهلهلاً للمبادئ المتفق عليها وإمكانية إجراء مفاوضات دبلوماسية. وانهار الثاني -في هانوي في شباط (فبراير) 2019- عندما أصبحت الهوة بين الزعيمين حول نطاق التسلسل ونزع السلاح النووي وتخفيف العقوبات واضحة.
منذ ذلك الحين، توتر الجو الدبلوماسي. في نيسان (أبريل) 2019، حدد كيم من جانب واحد موعدًا نهائيًا هو نهاية العام لتقديم حكومة الولايات المتحدة اتفاقاً قد يكسر الجمود. وفي حزيران (يونيو)، وافق ترامب وكيم، مع مصافحة في المنطقة منزوعة السلاح التي تفصل بين الكوريتين، على بدء محادثات على مستوى العمل. ومع ذلك، في تشرين الأول (أكتوبر)، لم يصل اجتماع استغرق ثماني ساعات بين مبعوثي البلدين في السويد إلى أي مكان.
طرح الزعيمان في بعض الأحيان فكرة عقد قمة ثالثة، لكنهما تراجعا عن ذلك في الوقت الحالي على الأقل. وقد يكون هذا للأفضل: فقد يؤدي اجتماع آخر سيئ التحضير إلى شعور الطرفين بإحباط خطير.
وفي الوقت نفسه، صعّدت بيونغ يانغ -التي ما تزال تسعى لكسب وسائل ضغط للحصولعلى تخفيف للعقوبات وإنهاء التدريبات العسكرية المشتركة- اختباراتها للصواريخ الباليستية قصيرة المدى، والتي يُفهم على نطاق واسع أنها غير مشمولة بالتجميد غير المكتوب. وبدت كوريا الشمالية مدفوعة إلى ذلك بكل من الأسباب العملية (حث الاختبارات تساعد على تحسين تكنولوجيا الصواريخ) والأسباب السياسية (يبدو أن تلك التجارب تهدف إلى الضغط على واشنطن لاقتراح صفقة أكثر مواتاة). وفي أوائل شهر كانون الأول (ديسمبر)، قطعت بيونغ يانغ شوطاً أبعد حيث اختبرت ما يبدو أنه محرك لإطلاق مركبة فضائية أو صاروخ بعيد المدى وما يتصل بهما من تكنولوجيا، في موقع ادعى ترامب أن كيم كان قد وعد بتفكيكه.
على الرغم من أن تحذير بيونغ يانغ من إرسال "هدية عيد ميلاد" لواشنطن إذا لم تقدم الولايات المتحدة ما اعتبره كيم طريقة مرضية للمضي قدماً لم يكن قد تحقق في وقت كتابة هذا التقرير، يبدو أن آفاق الدبلوماسية تضعف.
ومع ذلك، يجب على الطرفين التفكير في ما سيحدث في حال فشلت الدبلوماسية. إذا صعَّدت كوريا الشمالية استفزازاتها، يمكن أن تتصرف إدارة ترامب كما فعلت في العام 2017، بالهجوم الخطابي والجهود الرامية إلى تشديد العقوبات واستكشاف الخيارات العسكرية مع عواقب لا يمكن حتى تصورها.
سوف تكون هذه الدينامية سيئة للمنطقة والعالم ولكلا الزعيمين على حد سواء. وسوف يظل الخيار الأفضل لكلا الجانبين هو صفقة بناء ثقة على أساس مبدأ "إجراء- مقابل- إجراء"، والتي تعطي لكل من الطرفين مزايا متواضعة. وتحتاج بيونغ يانغ وواشنطن إلى تحديد الوقت المناسب للتفاوض وقياس إمكانيات التسوية. وفي العام 2020، يجب على ترامب وكيم الابتعاد عن عروض الخيلاء والعظمة وتجنب والاستفزازات الدرامية وتمكين مفاوضيهما من العمل.

اضافة اعلان

*محام أميركي وعالم سياسي ومختص في فض النزاعات. وهو حالياً مدير برنامج للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجموعة الأزمات الدولية في واشنطن العاصمة. مساعد خاص سابق للرئيس بيل كلنتون للشؤون العربية-الإسرائيلية (1998-2001). وقبل تولي هذا المنصب كان مساعداً لمستشار الأمن القومي ساندي بركر (1996-1998) ومدير إدارة الديمقراطية وحقوق الإنسان والشئون الإنسانية في مجلس الأمن القومي (1994-1996). يعد خبيراً في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكتب بغزارة في هذا الموضوع. وكمساعد خاص للرئيس كلنتون، كان عضواً في فريق السلام الأميركي وساعد في تنظيم قمة كامب ديفيد 2000.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان: 10 Conflicts to Watch in 2020

مقاتلون من الميليشيات الليبية يشتبكون في ضواحي العاصمة طرابلس – (أرشيفية)
جنود من السفينة الأميركية " إس إس لاسال" يفتشون سفينة إيرانية تحمل ألغاماً بحرية في الخليج العربي، 1987 – (أرشيفية)